رغم الرسائل التي استبق بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، زيارته إلى الجزائر، والتي استهدف من ورائها إبعاد شبح "الذاكرة" من السيطرة على ملفات الزيارة، إلا أن ذلك لم يحل دون وقوعه رهينة لهذا الملف، الذي أربكه وهو يواجه الصحافيين. ماكرون حاول الهروب من هذا الملف واللجوء إلى الملف الاقتصادي والقضايا الإقليمية، إلا أنه عجز، حيث لم يجد ما يردده غير التأكيد على أن موقفه من استعمار بلاده للجزائر ليس متناقضا، وهو ما اعتبره مراقبون اقتناعا من سيد قصر الإيليزي، بأنه سيبقى رهينة للتصريح الذي أدلى به في فيفري 2017 من الجزائر، عندما كان مشروع مرشح للرئاسيات الفرنسية، يوم وصف الاستعمار الفرنسي للجزائر بأنه "جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب". الرئيس الفرنسي قال إن بلاده ترفض رهن العلاقات الثنائية، بالماضي الاستعماري، لكن سرعان ما أكد لاحقا أن هذا الملف أثقل من أي ملف آخر في العلاقات بين الجزائر وباريس، ولو تعلق الأمر بإغراء الشباب بمشاريع كثيرا ما توقفت في منتصف الطريق. ماكرون أكد أنه طالب المسؤولين الجزائريين بتمكين الفرنسيين الذين ولدوا بالجزائر من زيارة هذا البلد، وهو مطلب قديم بدأ في العهدة الأولى للرئيس بوتفليقة، مع قضية المغني الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، أنريكو ماسياس، غير أن هذا المطلب لم يتجسد على الأرض بسبب الرفض الشعبي الذي انفجر يومها ضد هذا المطلب. ولم يفصح الرئيس الفرنسي عن موقف السلطات الجزائرية من مطلبه هذا الذي ينطوي على حساسية كبيرة لدى الجزائريين، الذين يرفضون أي تسامح مع من تلطخت أيديهم بدماء الجزائريين خلال الثورة التحريرية، من "الحركى" و"الأقدام السوداء"، الذين تحالفوا مع منظمة الجيش السري الإرهابية (OAS). هذا المطلب لم يكن سوى مقايضة لمطلب آخر رفعته الجزائر منذ أشهر، وهو استرجاع جماجم الشهداء الجزائريين المعروضة في المتاحف الفرنسية، الذي سيصدر قانونا بشأنها لاحقا، كما قال ماكرون، وهو ما يعني أن الرئيس الفرنسي كان قد توقف مطولا مع مستشاريه قبل زيارته إلى الجزائر، حول كيفية التعاطي مع هذه المسألة، التي يبدو أنها أصبحت عقيدة لدى بعض "اللوبيات" الفرنسية القادرة على إحداث "قلاقل سياسية" لأي رئيس فرنسي قد يتراجع عنها. العرض الذي قدمه ماكرون للجزائريين والمتمثل في استرجاع جماجم الشهداء، ورغم أهميته، إلا أنه لا يتطلب، برأي متابعين، أكثر من مجرد توقيع مرسوم لا يشكل له أي حرج له مع الفرنسيين، غير أن المطلب الذي رفعه والمتمثل في العفو عن "الحركى" والأقدام السوداء، عبر السماح لهم بالعودة إلى الجزائر ولو لزيارة مسقط رأسهم ولقاء أقاربهم، يبدو من الصعوبة بمكان، لأن الأمر لا يتعلق بمجرد سن قانون، بل بإقناع ذوي كل من فقدوا حياتهم على أيدي هذه الفئة التي اختارت الوقوف إلى جانب الجيش الفرنسي وضد بني جلدتهم. ويرى مراقبون أن ماكرون يدرك جيدا صعوبة الاستجابة لمطلبه هذا، وهو "طعم" ألقاه خلال الزيارة حتى يرهن لاحقا موقف بلاده الضعيف، من الماضي الاستعماري، الذي يلخص كل مآسي الذاكرة، التي تبقى الشبح الذي يبقى يلغم العلاقات الثنائية، حتى ولو أصر الطرفان على استمرار استبعاد هذا الملف من ملفات أي تقارب بين البلدين في المستقبل.