منحت باخرة مطعم "الدلفين"، الأولى من نوعها في الجزائر، الفرصة للكثير من العائلات الجزائرية لاكتشاف رحلات سياحية من نوع آخر، بعيدا عن ضغط زحمة السير والطرقات المغلقة، شبيهة بتلك التي كانوا يسافرون من أجلها إلى خارج البلاد، ويقصدون تركيا على وجه الخصوص للتمتع برحلات "البوسفور". أفراح .. أعياد ميلاد وعشاء عائلي ورحلات متنوعة حسب الطلب، على الساحل الجزائري لمدة 3 ساعات وبسعر لا يتجاوز ال1500 دينار للشخص.. هي الجولات التي خطفت الكثيرين من هواة البحر والمغامرات الذين وجدوا ضالتهم في المشروع الاستثماري، الحائز على أول رخصة لمزاولة نشاط السياحة بالبحر في الجزائر.
خدمات راقية ومأكولات على ضوء القمر باخرة الدلفين الراسية بميناء "الجميلة" أو "لامادراك" بعين البنيان بالعاصمة، التي تتسع ل300 راكب، مجهزة بكل المعدات كما أنها مؤمنة لضمان سلامة وراحة الركاب، تضم قاعة حفلات ل 130 شخص، و"أوركيسترا" ومطعم فاخر بمأكولات بحرية وأطباق شهية لا تقاوم، يشرف على تحضيرها "شيف" جزائري امتهن سحر أطباق السمك والبايلا في إسبانيا وجزيرة بالما دي مايوركا. يستمتع زوار "الدلفين" بلذة هذه الأطباق تحت ضوء القمر وصوت الأمواج في عرض البحر والشموع التي تضفي جوا من الرومانسية مصحوبة بموسيقى يختارها الراكبون، الذين يسافرون لعالم آخر طيلة ساعات من الزمن في رحلات ليلية لا تنسى. تتواصل الرحلة بعد نهاية العشاء الفاخر، ويستطيع ركاب الباخرة الصعود إلى الطابق العلوي المتسع ل210 شخص، والمكشوف على أمواج البحر لاستنشاق هواء نقي ونسيم عليل، واستكمال السهرة تحت ضوء النجوم، أو الاستمتاع بسهرة مميزة، بحضور "دي جي"، يتجاوب مع الحاضرين الذين بإمكانهم طلب ما يريدون سماعه. المفاجآت لا تنتهي وهناك من يسعفهم الحظ في نزهتهم، بمصادفة الدلافين الحقيقية وليس تلك التي يركبونها، في منظر طبيعي خلاب تمتزج فيه زرقة البحر بزوارق الصيادين الذين يبحثون عن قوت يومهم عبر شبكات يلقون بها في عرض البحر.
طاقم محترف ورحلة بحرية مؤمنة 100 بالمائة حداثة المشروع، لم تمنع القائمين عليه من خلق ما يقارب 60 منصب شغل لشباب ومبدعين، في ظرف قياسي أثبتوا أن الخدمة السياحية في الجزائر يمكن أن تتفوق على دول مجاورة أكثر خبرة في المجال. طاقم "الدلفين" المتكون من 6 بحريين، منهم قبطانين بخبرة تفوق ال30 سنة، و4 عمال صيانة، و4 طباخين و"شيف"، ومتربصين أيضا، تُوفدهم المدرسة العليا للفندقة والسياحة بعين البنيان، يحضر مع تطور المشروع شهرا بعد أخر لتوظيف مضيفي الترحيب والاستقبال، وخدمات أخرى حتى يكون الزبون ملكا في باخرة الدلفين. ويسهر أصحاب المشروع على ضمان راحة زوارهم، منذ حجز التذكرة إلى غاية النزول من الرحلة الممتعة من خلال تأمينها بأعوان أمن يرافقونهم طيلة الرحلة، بالإضافة إلى الحراس ورجال الأمن الذين ينتشرون في ميناء جميلة وميناء شرشال والمسمكة بالجزائر العاصمة وهما الوجهتين اللتان تسلكهما الباخرة غالبا، على طول 5 أميال.
الدلفين يغري تلاميذ "الباك" والأطفال وصادف تواجدنا في الباخرة المطعم، رحلة لتلاميذ ثانوية كاتب ياسين بالقبة، والذين اختاروا الاحتفال ب100 يوم قبل البكالوريا على طريقتهم الخاصة، فتزينوا ببدلات كلاسيكية جميلة وتصفيفات شعر أنيقة وركبوا الباخرة في رحلة دامت 3 ساعات، تخلصوا عبرها من أرق الامتحان وإرهاق المراجعة، فعبروا عن رضاهم من الرحلة المنظمة وأخذوا صورا تذكارية ورقصوا جميعا وغنوا وصفقوا على أمل العودة للاحتفال بنشوة افتكاك شهادة البكالوريا في نفس الباخرة مع زملائهم، الذين قد لا يلتقونهم العام المقبل.
حجوزات مغرية.. وقاعة حفلات أقل من سعر الفنادق منذ شهر أكتوبر الماضي، حجزت العديد من العائلات، قاعة حفلات "الدلفين" لتنظيم أعراس أبنائها، بعيدا عن الروتين وتقاليد قاعات الحفلات في الفنادق، وبأسعار أقل منها، وهو ما يجهله الكثيرون ممن يبحثون عن التميز والمفاجآت. ويقول في هذا الشأن صاحب الباخرة محمد درايدي: "بعض العائلات تعتقد أن الأعراس في الباخرة باهظة الثمن وتتخوف من خوض هذه التجربة، لكن الواقع معاكس تماما، حيث إن سعر الحجز لتنظيم حفل زفاف، معقول مقارنة مع قاعات باتت تفرض على زبائنها عشرات الملايين وبإمكان العائلات قضاء العرس في عرض البحر أو في سفينة راسية بالميناء، حسب ذوقهم واختيارهم".
.. برنامج خاص للجزائريات في عيدهن الخدمات المقدمة في الباخرة مطعم "الدلفين" لا تقتصر على النزهات والأعراس فقط، حيث تفتح الباب أمام الراغبين في تنظيم حفلات أعياد الميلاد .. الحب والمرأة، وهو ما وقفنا عليه خلال زيارتنا للسفينة، أين انطلقت عملية الحجز لاحتفالية ال8 مارس المصادفة ليوم الخميس المقبل، وفق برنامج خاص واستثنائي للنساء الراغبات في اكتشاف عالم جديد وهادئ في عرض البحر. وتنطلق الرحلة الأولى من منتصف النهار وتدوم إلى الثالثة مساء لتستقر في عرض البحر وتعود بعدها إلى ميناء الجميلة في حدود الساعة الخامسة، حتى يتسنى لطاقم الباخرة تنظيم رحلة ثانية ليلية تحمل الكثير من الإثارة و"السوسبانس" وذلك على الساعة ال19 وإلى غاية العاشرة ليلا لتعود إلى الميناء منتصف الليل. ويتم الحجز عبر القدوم إلى ميناء جميلة بعين البنيان، والإطلاع على البرنامج عبر صفحة الفايسبوك "دلفين"، ويتسنى للمسافر دفع نصف المبلغ أو كله، حسب قدرته ورغبته. كما تنظم الباخرة رحلتين إلى 3 للنزهة في الأسبوع، حسب الطلب، في حين يرتقب أن تتحول إلى رحلات يومية مع انطلاق موسم الربيع وتحسن الأحوال الجوية، التي تشجع على مثل هذه النزهات.
حلم تحقق ومشوار طويل ينتظر يحكي صاحب المشروع الاستثماري، محمد درايدي ل"الشروق" عن قصة الباخرة، التي أراد من خلالها تحقيق حلم راوده منذ الصغر، قائلا: "أنا ابن البحر ولطالما رغبت في أن يكون لي مشروعا في هذا المجال.. سعيت لتجسيده طيلة فترة إقامتي لسنوات بإسبانيا، وبمجرد فتح الحكومة رخص الاستثمار في هذا القطاع، سارعت لإيداع ملفي كاملا لدى وزارة النقل، لأكون بذلك صاحب أول مطعم باخرة في الجزائر، التي تم تدشينها بحضور وزير النقل والأشغال العمومية عبد القادر زعلان ووالي ولاية الجزائر عبد القادر زوخ شهر أوت 2017. تحقق حلم دريدي، بمنح رخصة النشاط عقب صدور المرسوم التنفيذي شهر جويلية 2016، والمنظم لممارسة النزهة الترفيهية والنقل البحري، والذي كان النص القانوني الذي فتح الباب أمام الراغبين في خوض غمار هذه التجربة الجديدة بعد غلق دام عشرات السنين. ورغم الصعوبات التي تواجه مشروعه الفتي، منذ الوهلة الأولى، التي قرر فيها جلب السفينة من إسبانيا وإرسائها بميناء "الجميلة" أو "لامادراك" بعين البنيان بالعاصمة، إلا أن المستثمر محمد درايدي، يعترف بالتحفيزات التي منحتها السلطات في الجزائر لتدعيم هذا النشاط، مسترسلا "لا شيء سهل وكل بداية تعترضها صعوبات وعراقيل بيروقراطية، وهذا الأمر موجود حتى في دول أوروبية، لكن الرغبة في النجاح، تتطلب الصبر والعمل والمثابرة، والاستثمار على المدى البعيد والتخلي عن ذهنية الربح السريع". ومن منظور المستثمر الشاب، فإن الذين يبحثون عن جني أموال طائلة، هم أولئك الذين يقيمون لسنوات في الخارج ويعودون لفتح محلات "فاست فود" وبيع "الشاوارما" في شوارع العاصمة، لكن هدفه أبعد من ذلك، يقول :"بدأنا النشاط نهاية أكتوبر بشكل رسمي، لكن رغم سوء الأحوال الجوية، وتزامن تلك الفترة مع تساقط الأمطار التي هي رحمة من عند الله، إلا أننا لم نفشل واستطعنا تنظيم 300 رحلة، شملت أعراس وأعياد ميلاد وحفلات عائلية ونزه للأطفال والتلاميذ، ولم نفشل أبدا ". ويضع القائمون على المشروع مخططا لتنويع خدماتهم عبر إبرام اتفاقيات مع رجال أعمال ومنظمات باترونا ومؤسسات اقتصادية، لتخرج اجتماعاتها ومؤتمراتها عن الأسوار المغلقة والروتين، وتعطي جوا جديدا يشجع على الإنتاج والإبداع .
خواص يشوّهون الميناء ببواخر "الخردوات" جمالية المنظر والخدمات المقدمة، عكّر صفوها أحد الخواص الذي يرسي باخرته المهترئة أمام سفينة "الدلفين" منذ أكثر من سنة، رافضا إزالتها من هناك، رغم أنها تحوي "الخردوات" وهو ما شوّه المكان، وصدر قرار بنقل هذه الباخرة إلى وجهة أخرى، غير أن صاحبها يرفض الامتثال، وناشد محمد درايدي القائمين على الميناء بضرورة التدخل لإعادة تهيئة الواجهة، واستقطاب عدد أكبر من الزائرين. ويقول في هذا الصدد :"عند جلبنا للباخرة لم نجد حتى مكانا لركنها، رغم تحصلنا على تصريح السلطات، وصرفنا أموالا طائلة لتنظيف المكان، لكن أملنا أن تتدخل السلطات لاستكمال عملية التزيين، خصوصا ونحن مقبلون على فصل الربيع وموسم الاصطياف والعطل".