قرار الإقالة جاء على خلفية استمرار نزيف العملة الصعبة نحو الخارج قرر محافظ بنك الجزائر، محمد لقصاسي، إنهاء مهام المدير العام لعمليات الصرف، محند واعلي براهيتي، بعد سلسلة الانتقادات الموجهة للبنك المركزي في الفترة الأخيرة، بسبب تواصل نزيف العملة الأجنبية نحو الخارج، وتسجيل المئات من المخالفات خلال السنوات الأخيرة من طرف المتعاملين الوطنين والأجانب، الذين استفادوا من التحويل المكثف للعملة الصعبة نحو الخارج، تحت غطاء تمويل عمليات التجارة الخارجية أو تحويل أرباح الشركات الأجنبية بالجزائر، وعلى رأسها شركات قطاع الخدمات والشركات البترولية الأجنبية وشركات التوكيلات الممثلة لمجموعات عالمية بالجزائر. * وجاء قرار محافظ بنك الجزائر بعد تلقيه انتقادات حادة من عدة أطراف، أولها رئيس الجمهورية، بعد ملاحظته لفشل الإجراءات المتخذة للحد من الارتفاع المتواصل لفاتورة الواردات وقيمة التحويلات نحو الخارج، حيث ناهزت فاتورة الواردات خلال العامين الفارطين 40 مليار دولار، بشكل غير متوقع من أغلبية الخبراء، الذين انتقدوا صمت الحكومة أمام هذا الارتفاع الرهيب، الذي يخفي وراءه حقائق مرعبة عن تبييض الأموال وتضخيم فواتير الاستيراد من طرف المتعاملين الاقتصاديين، لتبرير تحويل ملايير الدولارات نحو الخارج سنويا، أمام صمت بنك الجزائر. * وكشف الخبير الاقتصادي والمحلل المالي في البورصة السويدية، نورالدين لغليل، في تصريح ل"الشروق"، أن جميع المعطيات والمؤشرات الاقتصادية التي تعلنها الحكومة الجزائرية والديوان الوطني للإحصاء، تؤكد على أن الارتفاع الخطير المسجل في فاتورة الاستيراد، خلال السنوات الأخيرة، توحي بوجود نزيف منظم لاحتياطات الجزائر من العملة الصعبة نحو الخارج، وتبيضها في عمليات تجارية وهمية في الغالب، مضيفا أن المؤشرات المتعلقة بالنمو الاقتصادي، وخاصة نمو الناتج الداخلي الخام في الفترة بين 2004 و2009، الذي سجل نموا سنويا يتراوح بين 3.5 و6.3 بالمائة، خلال نفس الفترة وأرقام التضخم التي استقرت عند حدود 4.5 إلى 5.3 بالمائة، ومؤشرات البطالة التي تراجعت بحوالي 3 نقاط مؤوية فقط من حوالي 15 بالمائة، إلى حوالي 12 بالمائة، والأكثر من ذلك أن القدرة الشرائية في جانبها المتعلقة باستهلاك الأسر لم تتغير خلال نفس الفترة، بسبب عدم تسجيل أي زيادة تذكر في معدلات دخل الأسر بالأسعار الحقيقية، فضلا عن تسجيل تراجع مستمر في معدلات الإنتاجية الصناعية للجزائر، بل وغياب الكثير من القطاعات الصناعية بسبب المنافسة الشرسة للمنتجات المستوردة. * وأضاف لغليل، أن هذه المؤشرات السابقة الذكر، فضلا عن شبه الاستقرار المسجل في معدلات النمو الديمغرافي للجزائر، ومحدودية قدرة الاستيعاب للاقتصاد الجزائري التي لا تتعدى 15 مليار دولار سنويا في أحسن الظروف، تجعل من ارتفاع فاتورة الاستيراد بمعدل 300 بالمائة في أقل من 5 أعوام عملية شبه مستحيلة، في حال وجود جهاز رقابي حقيقي، مشيرا إلى أن السلع والخدمات التي دخلت إلى الجزائر خلال السنتين الأخيرتين، لا يمكن أن تبلغ قيمتها 40 مليار دولار، مشددا على أن الشيء الوحيد الأكيد هو خروج 40 مليار دولار من الجزائر إلى الخارج، غير أن ذلك لا يعني أن قيمة السلع والخدمات المستوردة حقيقية. * وأوضح لغليل، أن الآلية التي يلجأ إليها المستوردون لتحويل العملة نحو الخارج معروفة، وهي تضخيم فواتير الخدمات والسلع المستوردة أو اللجوء إلى تأسيس شركات وهمية في دول تعرف بالملاذات الضريبية الآمنة، لتبرير تحويل مبالغ خيالية من الجزائر إلى الخارج بشكل مبالغ فيه، أمام فشل آليات المراقبة المعتمدة من قبل بنك الجزائر.