قررت دول منطقة الساحل والصحراء استحداث قوة استخباراتية مشتركة لمحاربة الإرهاب، ولم يبق غير قرار الحسم في البلد الذي سيحتضن مقر القوة الجديدة خلال الاجتماع الذي يضم مسؤولين أمنيين من الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر، بعد ما تقرر في وقت سابق اختيار الجنوبالجزائري لاحتضان مقر القيادة العسكرية المشتركة لدول الساحل والصحراء. وينتظر أن يفضي الاجتماع المرتقب إلى إسناد للجزائر مهمة احتضان القوة الاستخباراتية الجديدة، بالنظر للدور الريادي والاستراتيجي الذي تلعبه الجزائر في قيادة دول المنطقة وتوجيهها نحو محاربة الظاهرة الإرهابية والجرائم المتصلة بها، مثل اختطاف الرهائن والتهريب والمخدرات والجريمة المنظمة والمتاجرة بالأسلحة. ويعتبر هذا الاجتماع امتدادا للاجتماعات التنسيقية التي دعت إليها ورعتها السلطات الجزائرية منذ مارس المنصرم، وذلك على خلفية قرار السلطات المالية بإطلاق سراح إرهابيين من تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، مطلوبين لدى العدالة الجزائرية والموريتانية، مقابل تحرير التنظيم الإٍرهابي للرهينة الفرنسي، بيار كامات، الذي كان مخطوفا بين أيدي ال "جي آس بي سي" بشمال مالي. ويتزامن اجتماع الجزائر مع تكثيف السلطات الجزائرية لمراقبتها الخلايا المشتبه بإمدادها "الجماعة السلفية" داخل الولاياتالجنوبية، وذلك موازاة مع القيام بحملة من أجل إقناع عناصر الجماعات المسلحة بترك السلاح، أطلقها إرهابيون تائبون عبر أمواج الإذاعة الجزائرية لإدانة العنف وتأييد المصالحة الوطنية، وكانت من نتائج ذلك إلقاء عدد من القياديين في التنظيم الإرهابي للسلاح والعودة إلى عائلاتهم وذويهم. قرار إنشاء قوة استخباراتية موازية وداعمة للقوة العسكرية المشتركة التي تتخذ من تمنراست مقرا لها، جاء بعد أن استفحلت ظاهرة الاختطافات التي يتعرض لها السياح الغربيين، وتحول هذه الظاهرة إلى مصدر تمويل أوربي غير مباشر، ماانفك يغدق الأموال بسخاء على الجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل، بشكل مكنها من توسيع سطوتها وتقوية نفوذها، الأمر الذي زاد من تهديدها لأمن واستقرار المنطقة. ولعل آخر هذه المبررات يبقى إفراج الجماعة السلفية عن الرهينتين الإسبانيتين اختطفا في فيفري المنصرم، مقابل ثمانية ملايين أورو، بحسب تأكيدات عبد الرزاق بعرة المستشار برئاسة الجمهورية لشؤون حقوق الإنسان، وهي أضخم فدية تقدم عليها دولة أوربية، لكنها ليست الأولى من نوعها، بحيث سبقتها إليها فرنسا. ومن شأن استحداث القوة الاستخباراتية الجديدة، أن توفر المعلومات والمستندات الضرورية للقيادة العسكرية المشتركة لدول الساحل والصحراء، وخاصة تلك المتعلقة بتحركات الجماعات الإرهابية وامتداداتها داخل القبائل المنتشرة جنوبالجزائر وموريتانيا وشمالي مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وارتباطاتها بالشبكات المتخصصة في التهريب وترويج المخدرات والمتاجرة بالأسلحة، ومن ثم تمكين القوة العسكرية المشتركة من التدخل في الوقت المناسب. وحتى وإن كانت الولاياتالمتحدةوفرنسا يسعيان إلى إيجاد قدم لهما في منطقة الساحل لاعتبارات استراتيجية، وهو ما تسعى الجزائر إلى تقويضه من خلال تأكيدها لدول المنطقة على أن أمن منطقة الساحل يجب أن يبقى رهنا بأيدي أبنائها، إلا أنه ومع ذلك تبدي باريس وواشنطن بعضا من الارتياح إزاء بروز الحلف الجزائري مع دول منطقة الساحل، وهو أمر فرضه واقع الاختطافات الذي راح ضحيته سياح غربيون، وذلك انطلاقا من سجل الجزائر في مسعاها الصارم والناجح في محاربة الظاهرة الإرهابية والآفات المتصلة بها.