التغييرات التي أحدثها المدرب الوطني على التشكيلة قبيل الخرجة الودية المقبلة لقيت استحسان الكثير من عشاق الكرة عندنا، لأنها كانت ضرورية وعادية وطبيعية يقوم بها أي مدرب جديد يريد التجديد وتعويض التعثر في بداية تصفيات كأس أمم إفريقيا، ويقوم بها كل مدرب بعد الانتهاء من المشاركة في منافسة بحجم كأس العالم، يحتاج بعدها إلى نفس جديد وتحفيز آخر للاعبيه يجب أن يمر عبر تدعيم جديد للتشكيلة وتسطير أهداف أخرى. * ولكن عندما أسمع وأقرأ ما يقال ويكتب في وسائل الإعلام من طرف بعض الزملاء الإعلاميين ومن بعض الرياضيين عندنا من مدربين ومسيرين ولاعبين سابقين، أتفهم جيدا لماذا وصلنا إلى هذه الدرجة من التخلف والأنانية والجهل والنرجسية والغيرة والحسد، ولماذا لا تستقر كرتنا على حال، ولماذا لا نتمنى الخير لمنتخبنا وبلدنا عندما يتحقق النجاح بدوننا أو لا نكون أثناء ذلك في مواقع المسؤولية!!.. * كما أفهم جيدا أننا لم نصل بعد إلى النضج الشخصي والمهني، ولا يمكن أن نكون قدوة لأجيال صاعدة أثبتت لحسن الحظ قدرتها على التمييز وفطنتها وذكائها، ولم تَنسَق وراء تجار الكلام والأوهام من الدخلاء على مهنة الصحافة، أو من الذين يتوسلون ناديا أو منتخبا يدربونه، ويظهرون في وسائل الإعلام عندما يتعثر المنتخب وكأنهم ملائكة في عالم الكرة وغيرهم شياطين تجب محاربتهم وزعزعتهم.. * عندما كان رابح سعدان مدربا وطنيا كان أغلب المتتبعين لشؤون المنتخب يطالبون بالاستغناء عن بعض المحترفين والاعتماد على اللاعبين المحليين، وكانوا يقولون إن بلحاج يجب أن لا يستدعى مادام يلعب في الدوري القطري، ويقولون إن غزال لا يستحق اللعب في المنتخب لأنه لم يسجل منذ سنة، ويقولون أيضا إن لاعبي وفاق سطيف وشبيبة القبائل يستحقون اللعب في المنتخب الأول لأنهم أحسن من المحترفين. ولما جاء عبد الحق بن شيخة وتجرأ ليستدعي أكبر عدد من المحليين ويمنحهم الفرصة في المباراتين الوديتين المقبلتين، ويستغني بالمقابل عن بعض المحترفين ولو مؤقتا، عادت نفس الأصوات والأقلام تتكهن بالفشل وتتساءل: ما الذي أصاب المدرب الجديد للخضر حتى يُحدث كل هذه التغييرات؟! محمّلةً إيّاه مسؤولية اختياراته.. * بل إن البعض يُظهرون دعمهم وتشجيعهم لبن شيخة في وسائل الإعلام، ولكنهم في أحاديث الصالونات والمقاهي يتمنون له الفشل ويتحالفون ضده للإطاحة به وخلافته، لأنهم من هواة الصعود على الأكتاف واستغلال التعثر للقفز فوق الجميع، مستغلين طيبة وإخلاص مشاعر الجماهير الجزائرية العاشقة للكرة ولمنتخبها الوطني.. * وعندما كان الكلام يدور حول مدرب أجنبي لخلافة سعدان، تعالت أصوات وتحالفت أطراف لتدعو إلى تجديد الثقة في المدرب المحلي أملا في أن يقع الاختيار عليها، ولكن عندما اختير بن شيخة عاد الذين في قلوبهم مرض لينقلبوا على أعقابهم، فراحوا يحسدون بعضهم بعضا ويحقدون على زملائهم، وينشرون ثقافة اليأس والفشل، ويعلنون أن المنتخب بحاجة إلى مدرب أجنبي كبير.. * فهذا المدرب يتحدث وكأنه مخترع اللعبة، ويفهم في الاحتراف والتقنيات والمهارات والخطط التكتيكية، ويوجه انتقاداته للجميع، وهو طيلة حياته لم يفز بثلاث مباريات متتالية، ولم يستمر في النوادي أو المنتخبات التي دربها أكثر من موسم واحد، ولم يتحصل على لقب واحد، كما أنه لا يحوز حتى على المستوى الذي يسمح له بالتدريب، وفوق هذا وذاك.. لا يجد الآن ناديا واحدا يوظفه ويثق فيه. لكنك عندما تقرأ له أو تسمعه يتحدث، يُخيّل إليك أنه يفهم في كرة القدم أفضل من مورينهو وأليكس فيرغوسن، ويفهم في التسيير أحسن من برلسكوني وبكنباور.. * وذاك المسيّر الذي لم يتحصل على لقب واحد في حياته، ولم يصرف دينارا واحدا من جيبه، ولا يعرف قوانين اللعبة، ولا يقرأ ولا يكتب.. حين تسمع حديثه، ستجد نفسك تبكي أسفاً على النوادي التي يشرف عليها أمثاله والمناصب التي يتولونها، وستفهم لماذا يرفض هؤلاء الاحتراف ويقاومون التغيير حتى تبقى الأمور كما كانت عليه دون ضوابط وقوانين ودون حسيب أو رقيب.. ثم تجد هذا المسيّر يتحدث عن شؤون المنتخب ومستقبله وهو لا يعرف كيف يخطط مع ناديه لفترة ثلاثة أشهر مقبلة.. * وذلك الصحافي الذي يسمح لنفسه بإطلاق الأحكام على الجميع وإعطاء الدروس بالمجان، ويضع نفسه فوق كل الشبهات، ولا يكلف نفسه حتى مجرد الاطلاع على القوانين واللوائح، وتجده يخوض في الأمور دون معرفة بالخلفيات بحثا عن الإثارة على حساب الوطن ومشاعر الناس وأعراضهم وشرفهم، ويقود الجيل الجديد من الإعلاميين إلى نمط صحفي متخلف بعيدا عن أخلاقيات المهنة وقواعدها وضوابطها، وبعيدا عن الاحتراف والمهنية والمصداقية التي يدعو إليها غيره.. * أما الأغلبية الصامتة من الجماهير والفنيين والمتتبعين، التي لا يمكنها التعبير عن آرائها ومواقفها، فقد أظهرت نضجا ووعيا لا مثيل له، وأثبتت أنها أكبر من كل المهاترات والمهازل التي نسمعها ونقرأها. ولكن.. لا تُعطَى لها الكلمة لأنها لا تشتم ولا تسب، ولا تتسول منصبا، وتحترم نفسها وغيرها، وتدرك أن المرحلة التي تمر بها الكرة الجزائرية لا بد منها في الوقت الراهن، وسنخرج منها سالمين بالصبر والعمل.. * عندما أقول لستم ملائكة والبقية ليسوا شياطين، لا يعني هذا أن البقية ملائكة.. وإذا كنت لا أدّعي أني ملاك لا يخطئ، فإني أجزم أني - على الأقل - لست شيطانا، وعندما شرعت في كتابة مذكراتي مثلا لم أنسَ الاعتراف بكل السلبيات والهفوات التي ارتكبتها في مشواري الإعلامي والرياضي وحتى الشخصي، لكي لا أدّعي الكمال، ولكي أؤسس لثقافة جديدة تستوعبها الأجيال الصاعدة، عكس ما يفعله البعض ممن يعتقدون بأنهم الأفضل والأحسن، وحتى لا أضع نفسي فوق الشبهات، لأن الكمال للّه وحده، ولأن الحكمة تقول "لا تجعل ملابسك أغلى شيء فيك، حتى لا تجد نفسك يوما أرخص مما ترتديه". * عندما أقول هذا الكلام لا يعني هذا أيضا أني متشائم إزاء وضعنا وتفكيرنا البائس، لأن الحياة فيها الملائكة والشياطين، وفيها الخير والشر، والحب والكره، والفوز والخسارة، ولأن قطار الكرة الجزائرية توقف في المحطة السابقة بجنوب إفريقيا بمناسبة كأس العالم وانطلق نحو محطة أخرى، ومن تخلف عن الركوب سيبقى تحت رحمة الأمطار أو الشمس الحارقة، ولن يجد وسيلة أخرى تنقله إلى عالم آخر يميزه الطقس الجميل تحت ظل الاحتراف والكفاءة والإخلاص، بعيدا عن "البريكولاج" والأنانية والنرجسية، وبعيدا عن المغامرة بصحافتنا وكرتنا ومنتخبنا وجماهيرنا الوفية.. * derradjih@gmail.com