انتقلت فرنسا وبعض الدول الغربية هذه الأيام إلى السرعة العليا فيما يتعلق بمشروع الاتحاد من أجل المتوسط الذي أطلقه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منذ مدة لأهداف أصبحت معروفة وواضحة تخدم السياسة الفرنسية في المنطقة والأهداف الشخصية الخاصة للرئيس ساركوزي في جمع الدول العربية المنتمية إلى البحر الأبيض المتوسط للحصول على تطبيع عربي جماعي مع إسرائيل وبالتالي الحصول على الاعتراف بالدولة العبرية ذات الطابع اليهودي * كما باتت إسرائيل تروج له وتطرحه كشرط أساسي لأي اعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، بل وحتى لمواصلة ما يسمى بمحادثات السلام الجارية والمتعثرة مع السلطة الفلسطينية، هذا في حين ترى بعض الدول الغربية الأخرى وعلى رأسها إسبانيا وإيطاليا وحتى ألمانيا وبلجيكا في مشروع الاتحاد من أجل المتوسط فرصة لها لتشكيل سوق كبيرة ومتحكم فيها من دول جنوب المتوسط العربية أساسا لتسويق ما تنتجه مصانعها ومزارعها ومحاولة سد أبواب هذه السوق في وجه منتجات الدول الأخرى وعلى رأسها الصين والدول الآسيوية المنتجة وحتى دول أمريكا الشمالية والبرازيل والأرجنتين التي احتلت خلال السنوات الأخيرة مكانا معتبرا في الأسواق العربية. * هذا من الناحية الاقتصادية، أما من الناحية السياسية والاستراتيجية فيبدو أنه لم يعد للدول الأوروبية المذكورة من بد لضمان موطئ قدم في المنطقة سوى استعمال مشروع الاتحاد من أجل المتوسط لركوب موجة مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية من أجل اللحاق بركب الولاياتالمتحدةالأمريكية وما حققته من نتائج كبيرة خلال الأشهر الأخيرة من تواجد وتأثير في المناطق الساخنة بالمنطقة سواء في الساحل الإفريقي أو في عرض البحر الأبيض المتوسط واستمالة دول جنوبه وخاصة منها الجزائر والمغرب وتونس إلى المبادرات الأمريكية الهامة ومنها المناورات البحرية الواسعة النطاق في مياه البحر الأبيض المتوسط واستعداد البيت الأبيض لدراسة طلبات الجزائر في مجال التسلح من الترسانة الأمريكية ومساندتها المبدئية في عدم التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لدول الساحل الإفريقي في مواجهتها لعناصر القاعدة وفي مطالبها بتجريم الدول والأشخاص والمنظمات التي تقبل بدفع الفدية للإرهابيين مقابل إطلاق سراح الرهائن كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا التي تتفاوض حاليا حول الفدية التي ستدفعها مقابل إطلاق سراح مواطنيها الخمسة التي تزعم احتجازهم من طرف عناصر القاعدة في شمال مالي بعد اختطافهم في شمال النيجر، ويضاف إلى هذا استعداد بريطانيا الذي أعلن عنه الأسبوع الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقاضي بتزويد الجزائر بالسلاح بدون أي شروط. * هذه التطورات المتسارعة والسباقات المحمومة على النفوذ في هذه المنطقة الحساسة هي التي تدفع فرنسا وبعض الدول الأوروبية إلى محاولة إحياء الاتحاد من أجل المتوسط من الرميم وبعثه بعد أن ولد ميتا ومات مرة أخرى في اللقاء الأول وفي فشل القمة التي كانت مقررة في جوان الماضي وفي القمة المقررة لهذا الشهر في برشلونة الإسبانية نتيجة فشل مبعوث الدبلوماسية الإسبانية خلال الأيام الأخيرة في استدراج الجانب العربي إلى المشاركة في هذه القمة بعد أن أدرك الجميع أن تحريك مشروع الاتحاد من أجل المتوسط في هذا الظرف لا هدف منه سوى إدخال العرب، خاصة في المغرب العربي في خلافات مع أمريكا وتطويع وحمل الجزائر على الجلوس حول طاولة واحدة مع إسرائيل لجعل سياسة التطبيع، أمرا واقعا حتى قبل تحقيق السلام الذي يحصل الفلسطينيون بموجبه على جميع حقوقهم كما تفرض الجزائر ذلك، بالإضافة إلى إبعاد تركيا عن الاتحاد الأوروبي الذي تطرح فرنسا الاتحاد المتوسطي كبديل له. * لكن هل يمكن أن تعترف فرنسا بالفشل الذريع الذي لحق مبادرتها السيئة النوايا وتراجع عن مواقفها الضاغطة على الجزائر؟، هذا أمر مستبعد تماما إذا أخذنا بعين الاعتبار الأوراق التي في حوزة فرنسا ضد الجزائر وهي كثيرة وخطيرة وتدخل ضمن الأسرار التي تهدد فرنسا بإفشائها سواء من الماضي البعيد أو الماضي القريب أو الحاضر وهذا ما يفسر لجوء فرنسا قبل ثلاثة أيام إلى استعمال حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع تشكيل لجنة أممية للتحقيق في المجازر التي ارتكبها الجيش المغربي ضد اللاجئين الصحراويين في مخيم العيون وهو موقف فرنسي ضاغط موجه ضد الجزائر مباشرة ودون لبس، لأن فرنسا تعرف قيمة قضية الصحراء الغربية بالنسبة للجزائر من حيث كونها قضية تصفية استعمار وتقرير مصير، مما يجعل هذه الجزائر في مواجهة المناورات الفرنسية الشرسة من جهة وضرورة غربلة المواقف والسياسات الأمريكية والبريطانية، غير الواضحة تماما والمشوبة بالترغيب والترهيب والنوايا السيئة في أكثرها وأهمها من جهة أخرى.