الانتخابات المصرية لأول أمس مرت كما كان منتظرا، وكما ينتظر دائما من كل الانتخابات العربية الإفريقية: قهر وقمع للمعارضة مهما كانت صغيرة وغير مؤثرة ولا معرقلة لعمليات التزوير وفوز ساحق منتظر للحزب الحاكم بحيث سيكون صاحب القرار الأول والأخير وبدون منازع، مما سيسمح بالمزيد من الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون حسيب ولا رقيب ولا ضمير. * الأوضاع في الرقعة العربية الإفريقية زادت سوءا منذ صدور لائحة الاتحاد الإفريقي في قمة الجزائر سنة 2002 التي توصي بعدم الالتجاء إلى الانقلابات العسكرية للاستيلاء على الحكم، وما وقع بعد ذلك على أرض الواقع أن الانقلابات الدموية استمرت بشكل عادي مثلما وقع في موريتانيا والنيجر وغيرها، فيما فسح المجال بحكم اللائحة إياه لأنواع وأشكال أخرى من الاستيلاء على الحكم أو البقاء فيه ومنها تزوير الانتخابات تنظيما ونتائج والتي أصبح العرب ينتظرون تفنن الحكام فيها أكثر مما ينتظرون العملية الانتخابية ذاتها، وهذا ما وقع هذه الأيام في مصر، حيث يعتبر الانتخابات التشريعية وسيلة لضمان استمرار عائلة الرئيس حسني مبارك في الاستحواذ على السلطة عبر الانتخابات الرئاسية القادمة، بحيث لا يمكن لأي أحد بغير الرئيس مبارك أو أحد أولاده أن يحلم أو يفكر في الوصول إلى الرئاسة، ومن أجل ذلك تحولت مصر قبل شهور من موعد الانتخابات إلى حلبة لتعذيب وسجن المعارضين والموالين لهم حتى ولو كانوا مرشحين، والذين يحاولون رفع أصواتهم على أصوات الحزب الوطني الديمقراطي صاحب السلطة المطلقة في مصر في الماضي والحاضر والمستقبل، بل الأمور سارت إلى إقدام أعضاء هذا الحزب وميليشياته ليلة الانتخابات إلى إراقة الدماء في الشوارع حيث قتل شخص على الأقل وجرح عدد آخر من مناصري المرشحين المعارضين. * وهكذا أصبح العرب والأفارقة منذ صدور لائحة القمة الإفريقية في الجزائر يعانون من ديكتاتورية مضاعفة، حيث استمرت الانقلابات العسكرية المباشرة من جهة، واختلقت من جهة أخرى أشكال جديدة للاستيلاء على الحكم والاستمرار فيه ومنها مهازل الانتخابات الخاصة جدا التي تجري في مصر والجزائروتونس واليمن وسوريا والعراق، حيث النظم والأحزاب هي صورة طبق الأصل لبعضها البعض. * لكن ما ينفصل به العرب عن الأفارقة ويتفوقون فيه عنهم هو توصية إحدى القمم العربية السابقة التي أوصت بمنع وسائل الإعلام العربية وغيرها من التهجم أو التعرض بالنقد لما يسمى بالزعماء أو الحكام العرب، وهي العملية التي تأتي أكلها هذه الأيام في عدد من الدول العربية حيث منعت مصر الصحافة المحلية والعالمية من الوقوف على ما يجري من تجاوزات في الانتخابات ومنع المغرب على هذه الصحافة حق الإطلاع على ما اقترفه ويقترفه الجيش المغربي من قمع وقتل في حق اللاجئين الصحراويين في مدينة العيون، وهو نفس ما يفعله نظام الرئيس علي عبد الله صالح في اليمن لمنع الإطلاع على الفوضى العارمة والدوامة التي أدخل حزبه الحاكم اليمن فيها، ونفس ما يفعله النظام في تونس لمنع الصحافة من الإطلاع على انتهاكات حقوق الإنسان، وقس على هذا بقية جمهوريات وممالك الرمل والتمر والنفط والغاز من محيط العالم العربي إلى خليجه.