الهاربون ل "الشروق": قالوا لنا اخرجوا من ليبيا جائعين كما دخلتموها جائعين 30 نقطة مراقبة تابعة لأنصار القذافي بين رأس جدير ومدينة الزاوية المحررة سلبوا أموالنا وأمتعتنا، جردونا من ملابسنا الداخلية، شتمونا وضربونا بالرصاص، اتهمونا بالوقوف وراء الثورة التي زلزلت عرش القذافي، فتشوا المصريات بالمطار بشكل مهين أمام الأنظار ومن قبل الرجال، أخذوا منا الهواتف النقالة وقالوا لنا اخرجوا من ليبيا عراة وجائعين كما دخلتموها جائعون، طلبوا من الإشادة بزعيمهم ووضعه في درجة موازية للذات الإهية بقولهم الله ومعمر وبس.. هكذا انفجر المصريون الذين تمكنوا من الوصول إلى رأس جدير بجنوب تونس، وأغلبهم من العمال "الغلابى" وذلك يبدو من خلال منظرهم، عبروا إلى تونس تاركين "تحويشة" العمر، لكنهم حمدوا الله وشكروه لأنهم نجوا من المحرقة، وعاد لهم الأمل برؤية عائلاتهم من جديد. قصص أغرب من الخيال سردها المصريون العالقون برأس جدير، عن المعاملة الاأخلاقية التي تعرضوا لها من قبل القوى الأمنية التابعة لمعمر القذافي، ومن بين هؤلاء خالد عبد الرحمن الذي أكد أن بعض المصريين تم تفتيشهم بطرقة فاقت التصور عبر تجريدهم من ملابسهم كليا بحثا عن بطاقات الذاكرة الالكترونية التي تفضح الجرائم المرتكبة في حق الليبيين، وحسب شهادات بعض المصريين بالمعبر والذين حاولوا السفر إلى مصر عبر مطار طرابلس وفشلوا، فإن أزلام القذافي من اللجان الثورية والأجهزة الأمنية أهانوا المصريين على الخصوص بعد أن اتهموهم بالتسبب في الاحتجاجات، ربما بسبب نجاح الثورة المصرية في إزاحة الرئيس السابق حسني مبارك ونظامه، ولم تسلم حتى النساء من التفتيش، حيث تولى رجال بتفتيشهن، ولم تشمل هذه المعاملة المهينة باقي الجنسيات من البنغاليين والصينيين والهنود وباقي الجنسيات الإفريقية.
الله.. معمر.. وبس.. أستغفر الله
وحسب أحمد سعيد، وهو الآخر من الذين نجومن بطش اللجان الثورية فإن هؤلاء منعوهم من الأكل والشرب إلى غاية ترديد شعار "الله.. معمر وبس" وقالوا لهم: إن لم ترددوا هذا الشعار لن نعطيكم الخبز، وقال إن البعض فضل الجوع ورفض ترديد الشعار لأنه شرك بالله. ووجه العديد من الذين تحدثنا إليهم نداء إلى المجتمع الدولي للإسراع في حماية المصريين المتواجدين داخل ليبيا الذين يتعرضون لأقبح أنواع الإهانة والإذلال. وقد تعرض المصريون للاعتقال ومحاولة التوريط، وهو ما حدث للشاب المصري أحمد السيد إبراهيم فايد الذي حدثنا عن محنته مع الأمن الليبي، حيث اعتقل وتم اقتياده إلى أحد مراكز الشرطة، أين تعرض للضرب والشتم، وحول بعدها إلى عدة مراكز وفي كل مركز يتم ضربه وشتمه، وقد ظهر ذلك على ملامحه حيث كان في حالة متدهورة جدا، إذ كان حافي القدمين ويعاني من إصابة بليغة في ذراعه الأيمن. وحسب كل الذين تحدثنا إليهم برأس جدير فإن الأجهزة الأمنية التابعة للقذافي تسيطر سيطرة كاملة على الطرق وتكفي الإشارة إلى وجود أكثر من 30 نقطة مراقبة في المسافة الفاصلة بين مدينة الزاوية ومعبر رأس جدير، والتي تبلغ قرابة 140 كلم مع العلم أن مدينة الزاوية هي أقرب مدينة إلى الحدود التونسية يسيطر عليها الثوار. وقد تعرض اللاجئون للتفتيش في هذه النقاط لذلك لا أحد منهم تمكن من الاحتفاظ بأمواله وهاتفه النقال، بل إن الأمن الليبي كان يتعمد تلفيق تهم لهم من خلال دس بعض المخدرات في أمتعتهم، ومن ثم اتهامهم بتأجيج الاحتجاجات من خلال توزيع الحبوب المهلوسة على المتظاهرين، وفي هذا السياق قال بعض اللاجئين إن الأشخاص الذين ألقى عليهم النظام الليبي القبض وعرضهم في القناة الرسمية لا علاقة لهم بالمخدرات ولا بالمظاهرات وإنما كانوا ضحية تلفيق تهم من قبل الأجهزة الأمنية.
ستلحق بمبارك يا أبو الغيط
وقد بلغ الغضب ببعض المصريين إلى تهديد وزير الخارجية أحمد أبو الغيط الذي لم يفعل شيئا لإخراجهم من المأساة، وتوعدوا بالإطاحة به وبرئيسه أحمد شفيق في ميدان التحرير، كما فعل شباب الثورة بنظام حسني مبارك، كما دخلوا في إضراب عن الطعام احتجاجا على تأخر عملية ترحيلهم إلى بلدهم. غير أن باقي الجنسيات التزمت الهدوء خصوصا الجنسيات الإفريقية التي عزلت في مكان محدد، ومنهم نيجيريون وماليون وصوماليون وغينيون وغانيون وغامبيون وسنيغاليون وآخرون من غينيا بيساو، كلهم نظموا في صفوف في انتظار ترحيلهم. أما الجزائريون فقد تراجع عددهم لأسباب عديدة، على رأسها عددهم المحدود بالإضافة إلى تعدد الطرق نحو البلد سواء بالطائرة أوالباخرة التي أرسلت أو عبر المعابر البرية في الحدود بين الجزائر وليبيا.
تصدير الثورة إلى البنغلاداش!
تخلى البنغاليون عن هدوئهم وجابوا معبر رأس جدير في مسيرات غاضبة ضد بلدهم الذي تأخر في ترحيلهم إلى بلدهم، غير أنهم اكتفوا بترديد كلمة "بنغلادش " وهو مشهد جعل البعض يضعه في خانة تصدير الثورات العربية إلى الشعوب الآسياوية. ولم تؤد عمليات الترحيل المحتشمة التي تنفذ نحو مطار جربة إلى تخفيف الضغط على المعبر الذي يتدفق عليه15 ألف شخص يوميا، فيما فاق العدد الإجمالي للاجئين 120 ألف، وهو مضاعف لعدد سكان مدينة بنقردان القريبة من رأس جدير والتي يقدر عدد سكانها ب72 ألف نسمة، وهو ما يعني أنها غير قادرة على التكفل باللاجئين. وقد وقفت الشروق على تضامن أسطوري يقوم به التونسيين في المعبر، حيث أقاموا آلاف الخيم إلى جانب الخيم التي أقامها الجيش، فيما نصب مستشفى ميداني لاستقبال الحالات المرضية وفر دخول اللاجئين، يتم تزويدهم بالأكل والشرب ثم يتم تنظيمهم حسب جنسياتهم ويتم اقتيادهم إلى المخيمات.
المبادرة الأهلية تحضر لقافلة إغاثة إلى مدينة الزاوية
كشف اللفظي بشير للشروق وهو الذي يقود المبادرة الأهلية لحماية الثورة والتي تشرف على عمليات إغاثة اللاجئين برأس جدير، أن هيئته تخطط لإرسال قافلة إغاثة على مدينة الزاوية الليبية التي تشهد ندرة تامة في المواد الغذائية بسبب محاصرتها من طرف القوات التابعة للقذافي، غير أكد أن ذلك مؤجل إلى غاية زوال الخطر الذي تمثله الأجهزة الأمنية الموالية للقذافي، والتي تسيطر على الطرق والمعابر الحدودية. وقد أكد ليبيون عالقون في الحدود أن الأوضاع الداخلية تتجه نحو مأساة إنسانية حقيقية بسبب عامل الوقت الذي يلعب عليه القذافي والذي يؤدي إلى إرهاق المحتجين وتراجع حماسهم، ومن ثم قتل الثورة تدريجيا، وحسب هؤلاء فإن الأجهزة الأمنية تعمد إلى اختطاف المحركين للاحتجاجات من بيوتهم، وذلك في المدن التي لا زالت تحت سيطرة القذافي، ويتخوف كل من تكلمنا معهم من استمرار حالة التقسيم التي أرادها القذافي، ويطالبون المجتمع الدولي بضرورة التحرك العاجل للحسم في الصراع طالما أن الشرعية الدولية تحولت لصالح الثوار، وقد أجمع كل الليبيين المعارضين العالقين في الحدود مع ليبيا على دعم ضربة جوية خاطفة للقذافي وبرروا ذلك بأن الرجل يحضر لمذبحة أخرى في حق الليبيين. وأن الوجه "الرحيم" الذي ظهر به في خطابه الأخير يخفي روحا للانتقام، خصوصا أنه غير قادر على الوفاء بما أعلن عنه من قروض وأموال وتسهيلات، وهو الذي فقد كل أمواله بالخارج وأصبح غير قادر على التحكم في الأموال المودعة باسم ليبيا كما أن النفط أصبح بيد الثوار.