أخيرا انتهت المشاورات المتعلقة بما يسمى بالإصلاحات السياسية في الجزائر وأغلقت آلية بن صالح أبوابها وكأنها لم تفتحها أصلا في نطر الرأي العام والمتتبعين، لأنها مرت بنفس الطريقة والأساليب التي تمر بها جلسات الاستماع التي تعقد للوزراء والمسؤولين خلال كل شهر رمضان في رئاسة الجمهورية أو مثل اجتماعات الحكومة ومجلس الوزراء، أو قل أنها مرت كما تمر جلسات إثبات الملاءمة من عدمها بالنسبة للاستثمار في فتح المخابز الجديدة والمقاهي وبيع الأشرطة الغنائية... ولكن الجديد في هذه اللعبة الجديدة للنظام من أجل إعادة رسكلة نفسه وأجهزته وهيآته وأشخاصه هو أنها لعبت على المكشوف وتحت أعين الصحافة الوطنية وحتى الدولية، فمواقف الأحزاب والشخصيات التي تداولت على هيئة بن صالح معروفة لدى العام والخاص موقفا موقفا، ومعروف كذلك أنها تصب في أغلبيتها الساحقة في مطلب التغيير السياسي الجذري أو شبه الجذري مثل التخلي عن النظام الرئاسي والتحول كليا إلى النظام البرلماني وحصر الرئاسة في عهدتين للشخص الواحد وحل البرلمان وانتخاب مجلس تأسيسي وفتح مجال الإعلام السمعي البصري، وهذه أشياء ومطالب لا يتصور أن يقبل النظام بتحقيقها ولو بنسبة ضئيلة، ومن هنا يطرح السؤال عما بإمكانه أن يفعل أو كيف سيتصرف تجاه هذه المطالب المكشوفة والمعروفة لدى العام والخاص وكيف سيكون التقرير النهائي للاصلاحات الذي سيطرح أمام الناس، وهل سيحمل الاقتراحات الحقيقية التي طرحها المتداولون أمام لجنة بن صالح، أم سيعتمد نفس الأسلوب الذي اعتمد حتى الآن في مثل هذه الظروف، وكما كان الشأن بالنسبة للميثاق الوطني ومراجعة الدستور خلال عدة عقود.. * الجواب هو أن النظام إن اعترف بمطالب الأحزاب والشخصيات الوطنية وضمنها في التقرير النهائي يكون قد اعترف بضرورة إجراء إصلاحات سياسية جذرية مثل تلك التي قامت وتقوم من أجلها الثورات في مغرب العالم العربي ومشرقه، والاحتمال الأكثر هو أن يعترف النظام بالمطالب التي تخالف طبيعته ولكنه لن يعمل على تحقيقها وسيعمل على إجهاض الثورة التي قد تقوم من أجل تحقيقها وهذا ما يستشف من العمل الدبلوماسي الذي قاده ويقود وزير الخارجية السيد مراد مدلسي، في موازاة أشغال لجنة بن صالح، باتجاه أمريكا والغرب وأوروبا بالخصوص من أجل طرح فرضية عدم جدوى الثورة في الجزائر باعتبار أن الجزائر قد أنجزت ثورتها وكانت السباقة إلى الثورات العربية منذ حوالي 25 سنة، أي منذ انتفاضة 5 أكتوبر 1988 التي قال عنها أنها كانت حركة تجديدية وإصلاحية رائدة، وهذا ما يكشف من جهة أخرى أن تلك الأحداث كانت مفبركة من طرف جناح في هذا النظام ضد جناح أو أجنحة أخرى. ولكن في كل الحالات، فإن وضع الجزائر ليس أحسن من وضع تونس أو مصر أو ليبيا أو المغرب أو سوريا... فالإصلاحات الجذرية ضرورية كما هي في هذه البلدان، وإذا جرت الأمور في تونس ومصر بتغيير النظام وتجري في ليبيا بالانقلاب على نظام معمر القذافي وتجري في المغرب بتحول النظام الملكي إلى ملكية دستورية.. فإنها في الجزائر يجب أن تجري بالتحول إلى جمهورية دستورية بدل بقاء الجزائر على حالها كجمهورية من أسوأ جمهوريات العالم وكنظام من أكثر نظم العالم حاجة إلى التغيير مهما كان أسلوب هذا التغيير.