ونحن على مشارف الدخول المدرسي تكتظ الأسواق ومختلف المحلات والدكاكين بالعائلات الجزائرية التي تركض هنا وهنالك لشراء ما يلزم هذا الموعد السنوي "المقدس"، إلا أن القدرة الشرائية المحدودة لأغلبية الجزائريين دفعت بالبعض إلى اقتناء ملابس "الطايوان"، وعلى وجه الخصوص الملابس الصينية بالنظر إلى أثمانها المعقولة، في حين يقصد البعض الآخر وجهة أخرى اقل تكلفة.. إنها محلات "الشيفون". إيمان بن محمد جولة قصيرة في الأسواق الشعبية بالعاصمة بساحة الشهداء وبومعطي وباش جراح وشارع دبي وفي الشوارع الرئيسية بديدوش مراد والعربي بن مهيدي وحسيبة بن بوعلي تكشف الإقبال "الهستيري" للجزائريين على مستلزمات الدخول الاجتماعي من ملابس وأحذية ومآزر وأدوات مدرسية أياما قبل هذا الموعد. وإن كانت المحلات الكبرى المعروفة ببيع "الماركات" الأجنبية المستوردة تشهد إقبال فئة معينة من المترفين وميسوري الحال، فإن العامة تجد ضالتها في الأسواق الشعبية وفي الطاولات المفروشة على طول الطريق وفيما تعرضه من ملابس محلية أو في اغلب الأحيان مستوردة لكن هذه المرة من الصين واليابان والتايوان التي تربعت ودون منازع على عرش الأدوات المدرسية التي اكتسحت الأسواق بألوانها الزاهية وأنواعها المختلفة التي تبهر العيون وتغري الجيوب. ومن أكثر ما لفت انتباهنا ما تشهده المحلات الصينية التي فُتحت هنا وهناك من توافد كبير بالنظر إلى أسعارها المعقولة وتصاميمها التي أصبحت تتماشى والذوق الجزائري. في سوق باش جراح الشعبي كانت السيدة "عائشة" منهمكة أمام إحدى الطاولات في اختيار ما يروق أبناءها الثلاثة، ولما سألناها عن أحوال السوق هذه الأيام أجابت بتذمر أن الأسعار التهبت كالعادة قبل أي موسم أو عيد حتى في الأسواق الشعبية، حيث لا يقل ثمن سروال الجينز المتوسط النوعية عن 800 دج، في حين تتراوح أسعار المآزر تضيف ما بين 600 إلى 800 دج. ناهيك عما يحتاجه الأولاد من أدوات مدرسية وكتب وكراريس تكلف ثروة كبيرة، مما يضطر أغلبية الأولياء إلى التحايل على نوعية الملابس التي لا تهم إن كانت من الصين أو التايوان، فالمهم، حسبها، أنها تسكت طلبات الأطفال "المشروعة" للملابس الجديدة. محلات الشيفون تنتعش هي الأخرى مع الانتشار الكبير لمحلات الشيفون التي أصبحت تنافس في بعض الأماكن محلات الملابس العادية، ازداد الإقبال عليها من كافة الطبقات بعد أن كانت مقتصرة على طبقة المعدمين. فعند زيارتنا لشارع حسيبة بن بوعلي الذي يضم اكثر من 9 محلات لبيع الملابس المستعملة، فوجئنا بالتوافد الكبير عليها من كافة فئات العمر. إحدى هذه المحلات استقطبت عددا اكبر من الزبائن، والسبب يعود إلى التخفيضات التي اعتمدتها وعلقتها على الواجهة مكتوب عليها بالخط العريض "كل قطعة ب100 دج فقط". وبهذا الخصوص، تقول إحدى السيدات التي كانت علامات العوز بادية عليها أنها تعودت على اقتناء ملابس أولادها الستة من هذا المحل، حيث لم تكلفها كسوتهم سوى 1200 دج، مُثنية على الأسعار التي تتماشى وقدرة الفقراء المادية وعلى النوعية الجدية لهذه الملابس حتى وإن كانت مستعملة. " يكفى أن اغسلها واكويها جيدا لتصبح كالجديدة، حتى أنها تنافس الملابس الجاهزة"، أضافت المتحدثة ضاحكة. الملابس الأجنبية والسورية لمن استطاع إليها سبيلا من جهة أخرى، لم تخل المحلات المتخصصة في بيع ملابس الأطفال المستوردة سواء الفرنسية أو الإنجليزية أو السورية من الزبائن رغم الغلاء الذي يكون فاحشا في بعض الأحيان، وهو ما لمسناه عند زيارتنا لأحد هذه المحلات التي لا يقل فيها ثمن السروال عن 1500 دج، أما القمصان فتتراوح ما بين 1400 إلى 3000 دج، في حين تبقى الأحذية الأغلى بأثمان لا تقل عن 3000 دج. أما فيما يخض ملابس الفتيات، فهي باهظة أيضا، حيث يقدر سعر فستان فتاة في سن الست إلى الثماني سنوات ب3400 دج. وبالنظر إلى هذه الأسعار التي تكاد تكون خيالية، تبقى العائلات الجزائرية المعدمة أو الفقيرة في منأى عنها وربما لا تتجرأ حتى على التفرج عليها في الواجهات.