كشفت رسالتان وجههما مسؤول سابق في مجموعة سوناطراك،إلى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يوم 23 جويلية الماضي، النقاب عن التجاوزات الخطيرة في إبرام الصفقات والعقود مع شركات أجنبية بطريقة تسببت في خسائر بملايير الدولارات لمجموعة سوناطراك وللمجموعة الوطنية. وبينت الرسالتان التي حصلت "الشروق اليومي" على نسخة منهما، كيف أن العديد من العقود الطويلة الأجل التي تمتد آجال بعضها إلى 20 سنة، أبرمت على اساس قانون المحروقات الجديد 0507 الذي تم تعديله، قبل ان تتم المصادقة عليه وصدوره في الجريدة الرسمية. وأكد السيد شيوخ عبيد المسؤول في فرع الاستكشاف في شركة سوناطراك، أن المسؤولين الذين اشرفوا على إدارة مجموعة سوناطراك منذ سنة 2000 يتحملون مسؤولية النزيف الذي تعرضت له المصالح العليا للبلاد، لأنهم يعلمون جيدا أن: "القانون 0507 المتعلق بالمحروقات يمثل في حقيقة الأمر تخليا عن السيادة الوطنية في مجال استغلال وتثمين موارد المحروقات"، حيث لا يمثل الاحتفاظ بنسب تتراوح بين 20 و30٪ سوى تغطية لنهب الثروة الوطنية، بدليل أن الإجراءات القليلة جدا التي نص عليها القانون الجديد 0507 للحفاظ على الثروات الوطنية ومستقبل الأجيال لم يسبق وأن استعملت من قبل مسؤولي سوناطراك سوى مرة واحدة وفي ظروف مشبوهة وغير قانونية وخطيرة للغاية أضرت بالمصالح الوطنية العليا، ويتعلق الأمر بعقد الشراكة لاستغلال حقل رورد البغل الذي كان الغرض منه رفع الإنتاج من 20000 برميل إلى 100000 برميل في اليوم، الذي كلف 1,5 مليار دولار، ولكن النتائج كانت سلبية للغاية ولم يتجاوز مستوى الإنتاج بعد إستهلاك كامل المبلغ، نصف الهدف المحدد في العقد. وتمت الإشارة إلى أن الخروقات والتجاوزات وصلت إلى حد الإضرار بالمصالح العليا لمجموعة سوناطراك والمصالح العليا للجزائر ولم تتوقف عند هذا الحد، بل تعددت لتشمل أيضا العقد الموقع بين مجموعة سوناطراك والشركة الأمريكية أموكو بخصوص إنجاز مصنع معالجة الغاز بحقل تغنتورين بعين أمناس سنة 1998، هذا المشروع الذي تأخر إنطلاقه إلى غاية السنة الجارية 2006 مع ما عرفه المشروع من عمليات إعادة تقييم مرتفعة جدا تجاوزت ضعف القيمة الأصلية للمشروع، والأخطر من ذلك أن الشركاء الأجانب تحصلوا على امتيازات خطيرة جدا في الوقت الذي لم يدفعوا أي سنتيم عن التأخر في إنجاز المشروع، على الرغم من أن العقد الموقع بين الطرفين ينص صراحة على إلزام الشركة المكلفة بالإنجاز في حال التأخر بدفع 4 ملايين دولار شهريا، كغرامة تأخر ومن المثير للغرابة، أن المسؤولة المكلفة بمتابعة الملف حسب المصدر تم إبعادها من منصبها وهو ما أعتبره انتقاما منها، لأنها طالبت بتطبيق القانون، قبل أن يتم إبعادها نهائيا عن متابعة الصفقات المبرمة بين مجموعة سوناطراك وبعض الشركاء الأجانب. تحويل أرضية مصنع تكلف سوناطراك 170 مليون دولار ومن بين أسباب الارتفاع المتواصل في تكاليف المشاريع إلى مستويات قياسية، عمليات التنازل المتكرر عن المشاريع من مجموعة إلى أخرى، فحقوق الدخول إلى المشروع الذي كلف 1.5 مليار دولار، بلغت 200 مليون دولار، وتم التنازل الأول عن المشروع من شركة أركو التي كانت من قبل تسمى شركة كيلوغ التي تحولت إلى شركة "كا .بي. أر"، قبل ان يتم بيعه مرة أخرى لصالح مجموعة أموكو التي قررت الخروج من المشروع لتجد مجموعة سوناطراك نفسها مرغمة على دفع 400 مليون دولار للحصول على المشروع من جديد، والغريب أن بعض المشاريع تعاد دراستها التقنية من جديد بمبالغ تكفي لإنجاز مصنع كامل، ومنها مشروع تم تحويل أرضيته على مسافة 17 كم بحجة أن الأرضية الأولى طينية لتجد سوناطراك نفسها مرغمة على دفع 170 مليون دولار. وفي مشروع بناء مصنع للغاز الطبيعي المسال بأرزيو، وقعت مجموعة سوناطراك عقدا وصف بالغريب، تمثل في تحديد مشاركتها بنسبة 20٪ فقط على الرغم من أن الغاز الذي يزود به المصنع جزائري 100٪! متسائلا عن كيفية قبول مجموعة سوناطراك، توقيع عقد مدته 20 سنة لتزويد المصنع بالغاز الطبيعي الذي ستقيمه مجموعة ريبسول الإسبانية الفائزة بعقد لتزويد شركة ناشيونال غاز الإسبانية لتوزيع الغاز في أوروبا، وتضمن العقد بعض البنود التي تنص على أن أي نقص في التزويد بالغاز خلال فترة التعاقد، تلتزم بتغطيته مجموعة سوناطراك التي لا تملك سوى 20 ٪ من المشروع من مواردها الذاتية، وهو ما أعتبره المصدر سابقة في تاريخ العقود الموقعة في الجزائر بين مجموعة سوناطراك وشركاء أجانب، ومن غريب الصدف أن ريبسول هي المسؤولة عن حقل الغاز الذي يحترق بالجنوب الجزائري منذ أسابيع، ولكن وزارة الطاقة لا تريد الحديث عن هذه الكوارث التي تكلف ملايين الدولارات التي تحترق في الجو. وسجل العقد الموقع مع "بي. أش. بي" بخصوص تطوير حقل أوهانت، الذي كان يفترض أن يخضع لبنود قانون المحروقات القديم 8614 جملة من التجاوزات حسب المسؤول المذكور الذي بين كيف فقد العقد "خصوصيته القانونية والمالية والجبائية" بشكل تام وهو السبب الذي جعل الرئيس المدير العام الأسبق لمجموعة سوناطراك السيد عبد الحق بوحفص يرفض التوقيع على العقد في حدود منتصف الليل بعد ان مورست عليه صغوط قوية، حسب المصدر، وهو السبب الذي كان كافيا ليقوم وزير الطاقة والمناجم بإنهاء مهامه وإزاحته من على رأس مجموعة سوناطراك، وأصبح وزير الطاقة والمناجم السيد شكيب خليل بعدها يجمع بين وظيفتين وزارة الطاقة ورئاسة مجموعة سوناطراك ولا يحتكم سوى للقانون 0507 الذي لم يدخل حيز التنفيذ، حتى أنه قام بإلغاء كل الآراء التي تخالفه، وأصبحت المناقصة قاعدة تكون المشاركة فيها انتقائية جدا. وطالب ذات المسؤول بفتح تحقيقات قانونية وخبرة مالية وضريبية، سريعة تحت إشراف جهة مستقلة تستطيع كشف حجم الخسائر التي تكبدتها مجموعة سوناطراك والتي بلغت مستويات عالية منذ 2000، بسبب ممارسات مشبوهة مسكوت عليها من قبل المسؤولين المباشرين على مختلف المستويات. لقد تطورت داخل مجموعة سوناطراك أقطاب سلطوية، يقول المصدر، وظهرت جماعات مصالح داخل المجموعة، وأصبحت سوناطراك غريبة على أبنائها الحقيقيين، ولم تعد سوناطراك تلك الشركة الوطنية الضامنة لمستقبل أطفال الجزائر، لقد سقطت بين مخالب النشالين، عديمي الشفقة الذين يريدون إقناع المواطن أنهم أمله الأخير. أجور فلكية تغطي تهريب ملايين الدولارات نحو الخارج وأشار المصدر إلى أنه تم إبرام العديد من العقود في ظروف غامضة جدا مع شركاء أجانب لا يخضعون لأي سلطة للرقابة ويتم تسييرهم بصفة مباشرة على مستوى يتجاوز أعلى سلم في مجموعة سوناطراك، حيث استفاد الشركاء الأجانب من امتيازات خيالية على حساب المصالح العليا للوطن ومصالح الشركة والخزينة العمومية بدون أي مقابل للجزائر من الطرف الآخر، هناك عقود تنص على منح أجور للموظفين الأجانب تتجاوز 10 ملايين سنتيم يوميا (نعم يوميا) والمصيبة أن شركة سوناطراك تدفع 51٪ من المبلغ، لأن مساهمتها في أغلب المشاريع هي 51٪، وهي أحسن طريقة لنزيف الملايين من الدولارات من الجزائر نحو الخارج، في وقت لا يتجاوز أعلى أجر للمهندس الجزائري رغم كفاءته العالية 8 ملايين سنتيم في الشهر مما دفعه للفرار للعمل لدى شركات منافسة تدفع للمهندسين الأجانب مبلغ 103800 دج في اليوم (نعم في اليوم). وكشف المصدر أن الشركات الأجنبية الرئيسية التي تنشط في مجال الاستغلال لا تقوم بدفع أي رسم على المياه والكهرباء التي تستعملها أيضا وهذا منذ قدومها إلى الجزائر وهو ما يمثل خرقا خطيرا للعقود المبرمة مع شركة سوناطراك التي تتحمل تكلفة الإنتاج. وتقدر هذه المبالغ بملايير الدولارات. والغريب أن الأمر لا يتعلق بنسيان أمور بسيطة يمكن تصحيحها بسهولة، إن الأمر يقول المصدر يتعلق بإجماع على أعلى المستويات داخل سوناطراك، إن الأمر يتعلق بحماية مصالح تتعارض مع مصالح مجموعة سوناطراك ومصالح الجزائر. وبالتحديد لقد بينت الطريقة التي تتم بها عملية تنفيذ مشروع تغنتورين بالشراكة مع برتيش بتروليوم والمشروع المدمج بقاسي الطويل، أن سوناطراك تسير من طرف مصالح لا علاقة لها بمصالح الدولة الجزائرية. بالنسبة للعقد الأول، لقد عرف تأخرا معتبرا وتسبب في خسارة كبيرة بالنسبة لشركة سوناطراك، ورغم ذلك لم يتم دفع عقوبة التأخر المنصوص عليها في العقد مع أن الأمر لم يكن خافيا عن المسؤولين بالشركة والأخطر في كل هذا يقول المصدر، أن المحلل القانوني الذي اكتشف الفضيحة تم إبعاده من منصبه ببرودة أعصاب. أما عن العقد الثاني، وهذا للتدليل على الأجواء السائدة داخل سوناطراك والتي تهدد سيادة الشركة في تسيير السياسة الوطنية لتثمين موارد المحروقات. هذا العقد تم تحضيره بشكل يخدم تماما مصالح شركة ريبسول الإسبانية وهو ما يمثل خرقا واضحا للقانون المعمول به، بالإضافة إلى هذه التجاوزات كشف المصدر عن خرق آخر خطير جدا للقانون والتنظيم المعمول به في القطاع، وخاصة: المادة 1 من المرسوم التنفيذي رقم 96118 الصادر في 6 أفريل 96 الذي ينص على أن أعباء البحث والتنقيب تتحملها الشركة الأجنبية لوحدها، في الوقت الذي تم إرغام مجموعة سوناطراك على المساهمة في تمويل استثمارات أجنبية في مجال البحث حسب المادة 36 من العقد المشار إليه! لقد نجحت بعض الجهات في إرغام سوناطراك على تمويل عمليات البحث والتطوير على الرغم من أن القانون ينص على أن سوناطراك لا تتدخل سوى في مرحلة الاستغلال، وهو ما يمثل مسألة خطيرة جدا بالنسبة لتكاليفها الاقتصادية والسياسية المعتبرة، والسؤال المطروح: لصالح من؟، يبدو أن القضية لن تتوقف عند هذا الحد، ربما تكون بداية لسلسلة من حلقات، ويصبح من الأهمية بمكان متابعة التطورات في الأيام القليلة القادمة. عبد الوهاب بوكروح : [email protected]