شهدت قاعة الموقار نهاية الأسبوع، العرض الأول لفيلم "بركات" إخراج جميلة صحراوي وبدعم من مؤسسة "أني فرانس" والتلفزيون الجزائري. الفيلم يروي قصة إمرأة جزائرية في التسعينيات تذهب للبحث عن زوجها الصحفي الذي اختطفته الجماعات الإرهابية في ظروف غامضة. المرأة تذهب رفقة صديقتها في سلك الطب والمجاهدة السابقة، وخلال هذه الرحلة تغرق المخرجة في سلسلة من الكليشيهات الجاهزة عن المرأة والوضع في الجزائر، بحيث تطعن في الثورة الجزائرية من خلال إبراز صورة "الحاج سليمان" المناضل السابق والمجاهد في صفوف الثورة، وهو يتزعم جماعة إرهابية تفتي باختطاف وقتل الناس. بل أكثر من ذلك يتنكر لماضيه الثوري عندما تواجهه المجاهدة بهذا الماضي يرد عليها قائلا: "لا تذكريني بهذا الماضي، فنحن لا نصنع التاريخ بالذكريات، دعينا نتحدث عن حرب اليوم"، كما تعيد المخرجة الترويج للمقولة التي طالما دعمها الإعلام الفرنسي "من يقتل من في الجزائر"، وذلك عبر مشهد الشيخ الذي يذهب في البحث عن أبنائه قائلا للبطلة "لست أدري إن كانوا قد قتلوا، أم هم الذين يقتلون"، إضافة إلى تشويه صورة التاريخ الثوري في عيون الأجيال الصاعدة، حيث تنفجر البطلة في وجه المجاهدة في لحظة غضب قائلة "هل حاربتم فرنسا بمثل هذه الطرق"، فتجيب المجاهدة من جهتها" لم أعد أفهم شيئا" لست أدري إن كنت اليوم أحلم، أم أن ما عشته في السابق هو الذي كان حلما. من جهة أخرى، يظهر الفيلم أسلاك الأمن متخاذلة وغير عابئة بمصير الشعب في زمن الأزمة عبر مشهد رجل الأمن الذي يجيب البطلة التي قصدته للإبلاغ عن اختفاء زوجها فيقول "هل تظنين أننا ننشر بلاغات اختفاء لكل شخص يغيب عن بيته لليلتين"، ويرفض أن يسجل بلاغها، لأنها لا تملك صورة شخصية لزوجها المختفي. القصة من ناحية المضمون تبدو خيالية وربما غير ممكنة الحدوث، فلا يمكن تصوّر إمرأة مهما كانت شجاعتها تستطيع أن تقوم برحلة إلى معاقل الإرهاب في التسعينيات، وهذا يؤكد أن المخرجة لم تعرف هذا البلد خلال الأزمة، اعتمدت على ما كانت تروّجه الصحافة الفرنسية عن الأوضاع في البلاد. من الناحية التقنية أيضا، كان الفيلم مليئا بلحظات الصمت الطويلة جدا والثقيلة وهو ما جعل الريتم غير مضبوط تارة بتصاعد وأخرى ينخفض وهذا ما لم يتوافق مع الموسيقى التصويرية وخيّب المجهودات الكبيرة التي بذلها أبطال الفيلم في إيصال الرسائل التي تعمدت المخرجة أن توصلها عبر لغة الإشارات واللقاءات الرمزية، واعتمادها على كادرات تصوير الثابتة والكبيرة وهذا لم يكن ليشفع لها أمام الانتقادات الحادة التي وجهت للعمل من قبل الصحافة الغربية المختصة، والفرنسية منها على وجه الخصوص، حيث كتبت مجلة "استوديو" قائلة: اللعب على جرح المرأة الجزائرية لا يصنع فيلما جميلا. وأضاف كاتب المقال قائلا "متى يكف المخرجون الجزائريون عن محاولة إقناع الفرنسيين بأشياء لم تعد موجودة. وفي نفس السياق، ذهبت كل من أفريك كوشير وواست فرانس وسيني لايف التي انتقدت جميعها محاولة المخرجة اللعب على الجرح الجزائري وغياب جماليات السينما في العمل الذي دعم أيضا من طرف السفارة الفرنسية بالجزائر، وإن كان هذا الدعم الفرنسي مفهوما في إطار إعادة تبييض فرنسا لصورتها في مستعمرتها القديمة، لكن غير المفهوم كيف وعلى أي أساس دعمت الجزائر عملا يهينها "التلفزيون الجزائري"، وأشرف الديوان الوطني للثقافة والإعلام من جهته على توزيع الفيلم في الجزائر. أكثر من ذلك اعتمد الفيلم لتمثيل الجزائر في المسابقة الرسمية لمهرجان قرطاج الدولي. زهية.م