توالت على السينما الجزائرية العديد من الوجوه النسوية، التي استطاعت أن تضع بصمة خاصة في الأعمال الجزائرية، أمثال الممثلة كلثوم، نادية طالبي، فتيحة بربار، فطومة أبو صليحة، وغيرهن ممن برهن عن تجربة متميزة في التمثيل، إضافة إلى تجربة الإخراج التي برزت فيها مؤخرا بعض الأسماء النسوية على غرار نادية شرابي، فاطمة بلحاج وجميلة صحراوي. وإن كان بالإمكان وصف تجربة المرأة الجزائرية في السينما بالقصيرة نظرا لأن بروزها في الأدوار الرئيسية والمؤثرة في العمل السينمائي لم يبدأ إلا في نهاية السبعينيات، أما ما سبق تلك الفترة من أعمال فكانت المرأة تستغل فيها كعنصر مساعد للرجل الذي بقي متربعا على بطولة الأعمال السينمائية طوال عقود من الزمن، حيث كانت الأولوية لأفلام الثورة، التي يحمل فيها الرجل على عاتقه قضية التحرير، بينما انحصر أداء المرأة في المسبلة، أو الضحية التي يعاقبها الجيش الفرنسي ثأرا من الرجل المجاهد، وهو ما نجده في أقوى الأفلام الثورية على غرار فيلم "العصا والعفيون" المنجز في 1969 لمخرجه أحمد راشدي، فيلم "رياح الأوراس" 1966 لمحمد الأخضر حمينة وفيلم "وقائع سنين الجمر" سنة 1974 لنفس المخرج. كما أن ظهورها في السبعينيات كان محتشما، ذلك أن الانفتاح على معالجة القضايا الاجتماعية في السينما، اعتمد فيه الكثير من المخرجين على الرجل لمناقشة واقع المرأة والمجتمع والمنظومة التربوية والسياسية والاجتماعية في الوطن على غرار فيلم "الفحام" لمحمد بوعماري، الذي يسلط الضوء على الواقع المعيشي للشعب الجزائري، من خلال يوميات عائلة الفحام الذي أدى دوره يوسف خدام وإلى جانبه زوجته التي أدت دورها الفنانة المتميزة فطومة أبو صليحة، وفيلم الطاحونة في 1973، الذي تناول مخرجه أحمد راشدي فترة سياسية من حياة الجزائر محددة بسنوات 1963 – 1965، من موقع انتقادي لقرارات الاشتراكية، ولكن من خلال الرجل دائما الذي يصوّر على أنها المحرك للأحداث والفاهم لها في غياب تام لدور المرأة أو مواقفها اتجاه التحولات الطارئة. المرأة تناقش قضاياها بعدها فتح المجال للمرأة لتناقش واقعها بنفسها، ويعتبر فيلم "عمر قتلاتو" فاتحة هذه الأعمال; حيث صور فيه المخرج المغترب "مرزاق علواش" الواقع اليومي الجزائري والحياة الصعبة، البطالة، أزمة السكن، العلاقة بين الجنسين، وإن كان الفيلم لم يخرج عن دائرة الأفلام التي تجعل من قصة البطل محركة لقصص هامشية، إلا أن الفيلم الذي منح مساحة أوسع لمعاناة المرأة في أسرة جزائرية كثيرة العدد وأب العائلة عاطل عن العمل، ولكن فيلم "العاصفة" سنة 1982 لمحمد الأخضر حمينة، سجل قفزة متميزة في طريقة طرح قضايا المرأة، حيث تربعت المرأة وبجدارة على كرسي البطولة من خلال دوري المغربية "ليلى شنا" والجزائرية "نادية طالبي"، واستطاعت المرأة أن تغيّر البوصلة صوب الوجهة التي ستسافر من خلالها وعلى مدى قرابة العقدين في رحلة إثبات الذات، والتحدث عن قضاياها بنفسها، في أفلام أخرى مثل "الراي" ل"سيد علي فتار" و"حب ممنوع" لنفس المخرج، وفيلم "ليلى والأخريات" من إخراج "سيد علي مازيف" الذي تطرق إلى معاناة المرأة العاملة، وفيلم "القلعة" ل"محمد شويخ" في 1992، حيث تصدّرت المرأة اللعوب دور البطولة، وإلى جانبها نساء ضحايا لانغلاق المجتمع ما جبرهن على ممارسة الشعوذة. وتحدث "عز الدين مدور" في 1997 عن الزواج والارتباط وطبيعة الحياة في المجتمع الأمازيغي في القرن التاسع عشر، حيث كان مصير المرأة خاضع لما تحكم به التقاليد والأعراف الاجتماعية، وفيلم "ماشاهو" ل"بقاسم حجاج" الذي تناول العلاقة بين الرجل والمرأة في بيئة جبلية، حالت دون لقائهما ما جعل الفتاة تهرب رفقة حبيبها ضاربة كل التقاليد الاجتماعية عرض الحائط. أفلام العشرية توقف مسيرة المرأة نحو التحرر لم تكتمل مسيرة المرأة الجزائرية في تشكيل الوعي الاجتماعي لدى الآخر بقضاياها الإنسانية والاجتماعية، حتى تدخل في نهاية التسعينيات وبداية الألفين في مواجهة جديدة، هذه المرة ليست مع المجتمع الذكوري، وإنما مواجهة مع الموت في مقاومة الإرهاب.. ، وهو ما صوّره فيلما "باب الوادي سيتي" و"العالم الآخر" للمخرج "مرزاق علواش"، الذي كشف التأثر الكبير لعقلية الجزائريين في فترة التحولات السياسية بعقلية الأفغان التي ترى في المرأة مجرد جسم للمتعة الجنسية. ونجد في فيلم "رشيدة" ل"يمينة شويخ" مقاومة مدرسة شابة تصمد أمام الإرهاب وتقرر مواصلة مهنة تدريس الأطفال رغم التهديدات، وفيلم "المنارة " ل"بلقاسم حجاج" الذي يصور اختطاف النساء، وكيفية هروب البعض منهن من الجماعات الإرهابية، إضافة إلى فيلم "دوار نسا" ل"محمد شويخ" الذي يصوّر هو بدوره مقاومة الجزائريات للإرهاب، كما نجد فيلم "مال وطني" ل"فاطمة بلحاج" وفيلم "بركات" ل"جملية صحراوي" الذي يصور رحلة بحث البطلة عن زوجها الذي اختطفته الجماعة الإرهابية. وتبقى هذه الأعمال محاولة جادة لمواكبة التغير السياسي والاجتماعي، على حساب التغير الذهني، حيث وقعت المرأة في فخ استغلالها في حل قضايا أمنية وسياسية لا تتجاوز الخطاب الإيديولوجي، دون التعمق في مشاكلها الأساسية التي لا تزال تطاردها في مجتمع لم تتغير عقليته ومواقفه اتجاه الأنثى، التي لا تزال إلى اليوم تمنع من الدراسة، ويمارس ضدها العنف الجسدي والمعنوي من قبل سلطة الأبوة والأخ الأكبر. العودة إلى قضايا المرأة بعد موجة أفلام الإرهاب تفطّن بعض المخرجين إلى ضرورة العودة إلى طرح قضايا المرأة من جديد، فطرح فيلم "ما وراء المرآة" ل"نادية شيرابي" قضية زنا المحارم والأمهات العازبات، حيث صوّر حياة البطلة التي وقعت ضحية الاغتصاب من طرف زوج والدتها، وأنجبت على إثرها طفلا، فبقيت مكبلة بالحقد على الماضي، والخوف من المستقبل، ولكن المخرجة تضع إلى جانب المرأة الرجل الذي سيساعدها في التحرر من عقدها ويمنحها الثقة في نفسها. من جهته يصوّر "محمد يرقي" في فيلم "حورية" قضية اغتصاب امرأة ونظرة المجتمع إلى المرأة المغتصبة وكأنها هي المذنبة. وبالرغم من أن الاغتصاب حدث في العشرية السوداء إلا أن المخرج لم يركز على الأحداث الدموية بقدر ما ركز على حياة "حورية" التي تظل هاربة من منطقة إلى أخرى خوفا من نظرة المجتمع لها ولأسرتها المحافظة. كما حاولت المغتربة "فاطمة الزهراء زعموم" في فيلم "كرة الصوف" التطرق إلى قضية الحصار المفروض على المرأة الجزائرية من طرف الزوج، عبر قصة رجل مغترب يقفل الباب على زوجته لكنها تنجح في الخروج من الباب بمساعدة جارتها الفرنسية. قلة الإنتاج تعيد طاقات شابة إلى مرحلة الركود لم يسجل عام 2008 أي إضافة من ناحية مشاركة المرأة الجزائرية في السينما، ما عدا بعض الوجوه في التمثيل التي تميزت في أدوار وبرهنت على إمكانات لم تستغل بعد، إضافة إلى تجربة إخراجية واحدة من إمضاء مخرجة شابة بدأت تخطو خطواتها الأولى في هذا الميدان. ويعتبر فيلم "مسخرة" الفيلم الوحيد المنتج لعام 2008، والذي عاد إلى قضية المرأة بطريقة فكاهية، ويصور العمل لمخرجه "الياس سالم" حياة شاب ريفي يخترع قصة عريس ثري تقدّم لخطبة أخته التي تكاد تدخل مرحلة العنوسة وفق مفاهيم الريف الجزائري، بعد عزوف الشباب عن خطبتها بسبب مرضها الذي يسبب لها النوم المفاجئ، فيلجأ الأخ الأكبر إلى الكذبة حتى يبرهن لهم أن أخته مطلوبة وهناك من يُعجب بها، وفي المقابل هناك الشاب المغرم بالفتاة، والتي ستهرب معه في الأخير كي تضع أخاها أمام الأمر الواقع. وتعد الممثلة "ريم تاكوشت" من أهم الأسماء التي سجلت حضورها في سنوات الأخيرة بعد أن اختارها المخرج "سعيد ولد خليفة" للدور الرئيسي في فيلمه "شاي آنيا" عام 2004، ثم فيلم "عائشات" 2007، ثم فيلم "مسخرة" عام 2008، حيث نالت جائزة أحسن تمثيل نسائي في مهرجان قرطاج 2008، عن دورها في الفيلم، وتعتبر من الممثلات القليلات اللواتي يتمتعن بحضور أمام الكاميرا، كما أن إمكاناتها في تقمص الأدوار بمصداقية منحها نكهة خاصة على أدائها، وجعل المخرج التونسي "عبد اللطيف بن عمارة" يختارها لأحد أدوار فيلمه الجديد "شارع النخيل الجريح" رفقة كل من الجزائرية "عيدة كشوط،"، "حسان قشاش" و"العربي زكال" والذي يجري تصويره حاليا في تونس. إلى جانب "ريم"، برزت كذلك الممثلة "سامية مزيان" التي تميزت في فيلم "المنارة" عام 2004، حيث منح لها المخرج "بلقسام حجاج" مساحة كبيرة للتسلل إلى نفسية المرأة وانقسام مشاعرها بين صديقيها العلماني والمتطرف، وهي من أصعب الأدوار وإن طغى على أداء الممثلة المسحة المسرحية وحركة الركح تأثرا بوالدتها "صونية" وربما من جهة أخرى أعطى لها فرصة لتكتشف مواهبها المسرحية التي وظّفتها في أول أعمالها "هيروسترات". من ناحية الإخراج، لم يقدم ولا اسم نسوي عمله لهذا العام، ما عدا الفيلم القصير للمخرجة "صبرينة ضراوي"، في فيلمها "قوليلي" الذي رصدت فيه الانقسام الداخلي للمرأة العربية بصفة عامة بين المبادئ والرغبة، في زمن تغيرت فيه مفاهيم الجمال، والأحاسيس العاطفية وقدمت عملا متكاملا بين الإخراج، الحوار والأداء المتميز لممثلتين شابتين من تونس والمغرب، واستطاعت صبرينة من خلال أول أعمالها أن تلفت الانتباه إلى ما قدمته وتعطي التنبؤ بميلاد مخرجة متميزة ستسجل بصمتها في عالم السينما.