أثرياء يحتفظون بكنوز في بيوتهم ولا ذهاب إلى البنك إلا للضرورة إدارة بريد الجزائر تشرع في تصفية "الحسابات الميتة" لغلقها نهائيا تلجأ العديد من العائلات إلى اقتناء خزانات مشفرة، تعمل بالأرقام السرية أو مفاتيح الشفرة لإخفاء الأموال، وحتى الوثائق السرية، ويمكن تثبيتها في أي مكان أو وضعها على أي شيء، وبالنسبة لهؤلاء الخزانة ضرورية، خاصة إذا كان لهم مربية أو خادمة أو ما شابه في المنزل، أفضل من الدُرج، لأن الدُرج يمكن للأبناء أخذ الأموال منه... * وكذا يمكن للخادمة فتحه، والاطلاع على ما يوجد فيه، حتى أن الجزائريين بطبعهم لا يحبون أن يعرف الآخرين المبلغ الذي في رصيدهم، ولا كم يتقاضون في الشهر، فإذا أردت أن تحرج جزائريا اسأله كم يتقاضى في الشهر أو كم لديه في رصيده البنكي أو كم يدخر في منزله، لذلك نجد أنه في كثير من الحالات يخفي الأب عن ابنه مكان حفظ أمواله، وحتى الوثائق السرية المهمة، أو تخفي الأم عن أبنائها مكان وجود مجوهراتها، وكما يقال في الأمثال الشعبية المتوارثة "احترس ولا تخوّن صاحبك"، لذا فإن السرية المطلقة حول مكان إخفاء هذه "الكنوز" أكثر من ضروري. * كما توارث العديد من الجزائريين عادة قديمة عن الأجداد وخاصة الجدات، وهي إخفاء الأموال داخل وسادة النوم أو تحتها، ليشعروا بالأمان على أموالهم، وهو بالنسبة لهم المكان الأكثر سرية في حياتهم، والذي يمكنهم من إخفاء الأموال، وحتى الوثائق السرية فيه، رغم انتشار البنوك والحسابات البنكية وتسهيلات الإدخار والحفظ والدفع والسحب التي تمنحها البنوك، إلا أن العديد من الجزائريين يضعون الثقة في وسادتهم أكثر مما يضعونها في البنوك، وبعضهم توصل إلى وضع "خزانة سرية" في الجدار الخلفي للخزانة داخل غرفة النوم، حتى يمكنه إخفاء أمواله بها ويطمئن عليها، خاصة إذا كان الناس يعرفون أنه شخص ثري فهو عرضة للسرقة في أي ليلة يغيب فيها عن المنزل. * إذا أردت أن تحرج جزائريا اسأله كم يتقاضى في الشهر * ويعتبر أسفل مقعد السيارة إحدى الأماكن السرية التي يلجأ إليها الجزائريين لإخفاء الأموال، خشية أن يتعرض لهم قطاع الطرق لسرقتهم، عثرت مصالح الأمن سواء الدرك الوطني أو الأمن الوطني وحتى مصالح الجمارك عدة مرات على مبالغ مالية تقدر بالملايير تحت مقعد السيارة، يحتفظ بها صاحبها لعدة أشهر داخل سيارته، دون أن يضعها في أي بنك من البنوك، رغم أنه يملك حسابات بنكية في عدة بنوك، وغالبا ما يملك الجزائريون حسابا جاريا في بريد الجزائر. * وأكد خبراء في المنظومة المصرفية تحدثت إليهم "الشروق اليومي" أن غالبية الجزائريين يفتحون حسابات بنكية ثم لا يعودون للسؤال عنها إلى الأبد، ولا يستعملونها مطلقا، بل وبعضهم ينسونها تماما ويتخلون عنها دون أن يبلغوا البنك بذلك، وهو ما دفع إدارة بريد الجزائر إلى اتخاذ قرار بتصفية الحسابات الميتة منذ سنة 2003 إلى غاية نهاية سنة 2010، قبل غلقها، وهي الحسابات التي لم يستعملها لا أصحابها منذ سنة 2003، وفي نفس الوقت لم يتركوا فيها ولا سنيتما واحدا، وتعاقدت مع متعاملين وطنيين للقيام بالعملية، لتبقى فقط الحسابات المستعملة، علما أن عدد الحسابات الجارية في بريد الجزائر يقدر حاليا ب 12 مليون حساب جاري، وقد دعت مؤسسة بريد الجزائر أصحاب الحسابات الميتة إلى التقدم لمكاتب البريد الموزعة عبر الوطن لتسوية وضعية حساباتهم الجارية غير المستعملة لعدة سنوات من قبلهم، وذلك قبل الشروع في غلقها بصفة نهائية، مباشرة بعد إرسال الاستدعاءات للمعنيين بالأمر. * 20 مليون حساب بنكي في الجزائر منها 12 مليونا في بريد الجزائر * في حين تبقى على مستوى البنوك عشرات الآلاف من الحسابات البنكية "الميتة"، وغير مستعملة من طرف أصحابها منذ سنوات، أما الحسابات المستعملة فهي غالبا، الحسابات المملوكة لرجال الأعمال وأصحاب المؤسسات، أو الموظفين الذين يتلقون رواتبهم عبر البنوك، وهؤلاء غالبا ما يسحبون رواتبهم بكاملها ساعات فقط بعد تحويلها لهم، ولا يتركونها في البنك ولا يوما أو يومين بعد تحويلها لهم. * وتشير الأرقام الرسمية لبنك الجزائر إلى أن عدد الحسابات البنكية في الجزائر حاليا يقدر ب 20 مليون حساب، موزعة بين بريد الجزائر والبنوك، من بينها 12 مليون حساب في بريد الجزائر، بالإضافة إلى ذلك يوجد 4 ملايين حساب بالعملة الصعبة، تشمل الادخار المؤسساتي والادخار الفردي. * وتقول "ليلى.م" صحفية بإحدى الجرائد"أنا أملك حسابا في القرض الشعبي الجزائري يتضمن 1000 دينار، وحساب بنكي في الصندوق الوطني للتوفير والإحتياط يتضمن 2000 دينار، وحساب بنكي في البنك الوطني الجزائري لزيغود يوسف يتضمن 500 دينار، وأجرتي أتقاضاها في الحساب الجاري بمركز البريد، يعني لدي ثلاثة حسابات بنكية وحساب بمركز البريد، لكن كلها فارغة، ولا أستعملها". * الخوف من تكرار سيناريو الخليفة وهاجس الصك بدون رصيد * وعن أسباب عزوف العديد من الجزائريين عن إدخار أموالهم في البنوك ورفض التجار لطريقة الدفع بالصك، تقول وهيبة عيشاوي دكتورة في علم الاجتماع وباحثة في الاقتصاد وأستاذة جامعية في جامعة سعد دحلب بالبليدة في اتصال مع الشروق اليومي حول هذا الموضوع "التنشئة الاجتماعية تلعب دورا كبيرا في تحديد موقف الأشخاص من البنوك، وطريقة تفاعلهم وتعاملهم معها، أي الظروف التي تربى فيها الفرد، والجزائريون عادة ليس لديهم ثقافة الإدخار في البنوك، بل يفضلون الإدخار بالطرق التقليدية، وشعارهم في ذلك "وجدنا أباءنا يخبئون الأموال في البيت وبالتالي نحن أيضا نخبئها في البيت، وثانيا يخيّل لغالبية الجزائريين أنهم لما يدفعون الأموال كاش، تكون لها قيمة حقيقية أكثر من دفعها صكا، فهم يحبون المقابل بالمقابل، وعادة لديهم نظرة سيئة عن التعامل بالصك، ويتخوّفون كثيرا من الصك بدون رصيد، الذي يترتب عن عملية احتيال، ولتفادي كل ذلك لا يطمئنون إلا بالتعامل عن طريق الدفع "كاش"، وثالثا هناك العامل الديني، حيث أن العديد من الجزائريين يرفضون الفوائد البنكية، ويعتبرونها ربا، دون أن تكون لهم أدنى معرفة عن حقيقة الربا وماهية التعاملات الربوية، ولذلك يرون أنه الأفضل أن يخبئوا أموالهم في المنزل، قربهم، لتكون أكثر ضمانا وأمانا، أما النقطة الرابعة فهي قضية إفلاس بنك الخليفة وضياع أموال المدخرين فيه، تركت انطباعا سيئا لدى الجزائريين عن البنوك بصفة عامة، مما زاد من فقدان ثقتهم في البنوك، فبالنسبة لهم أي بنك يمكن أن يفلس في أي لحظة ويتكرر سيناريو قضية الخليفة". * متعاملون يشترون عقارات بالملايير نقدا وتجار لا يعترفون بالصكوك * ورغم العدد الهائل للبنوك والوكالات البنكية المنتشرة في كل مكان، إلا أن أغلبية المتعاملين في السوق ما زالوا يشترون ويبيعون سلعا وعقارات قدر ثمنها بالملايير ويدفعون "كاش"، وفي هذا الصدد قال بن طلبة صالح صاحب وكالة عقارية ببلكور في اتصال مع "الشروق اليومي" "مازال إلى يومنا الأغلبية الساحقة من المواطنين الذين يشترون العقارات يفضلون دفع ثمنها "كاش"، عند الموثق بحضور الشهود، لتوقيع العقد، ويحضرون معهم المبلغ ويدفعونه عدا ونقدا حتى وإن كان ثمن العقار أو الفيلا 10 ملايير، فإنه يحضر المبلغ معه ويصر على دفعه أمام الموثق وبحضور الشهود مقابل الحصول على العقد، غير أنه لا ننكر أن العديد بل الأغلبية الساحقة من التجار يرفضون قبض ثمن ما يبيعونه لزبائنهم بالصك ويشترطون الدفع عدا ونقدا مهما بلغ ثمنها، خاصة خارج العاصمة وخارج المدن الكبرى".