منذ أكثر من أسبوع يجلس الصحافي الأمريكي اليهودي دايف ماراش على المكتب الجديد ل "الجزيرة الدولية" في واشنطن ويقوم بتقديم نشرات الأخبار من هناك في خطوة غير منتظرة على الإطلاق، أثارت الكثير من التساؤلات حول السياسة الجديدة التي تنتهجها القناة القطرية للترويج لمحطتها الدولية الناطقة بالإنجليزية، حيث أثار هذا الاختيار جدلا واسعا في الشارع الإعلامي الأمريكي الذي رأى فيها خطوة غير كافية لإثبات النوايا الحسنة للقائمين على "الجزيرة" التي مازالت الإدارة الأمريكية ترى فيها القناة "الفاسدة، غير الدقيقة وغير المعذورة" كما جاء على لسان وزير دفاعها المستقيل دونالد رامسفيلد، وهو ما رد عليه الصحفي دايف ماراش في تصريح خطير جدا لوكالة الأنباء الفرنسية قد تكون له تابعات خطيرة على مصداقية القناة وانتشارها في العالم العربي والإسلامي، حيث طلب من الإدارة الأمريكية أن تستغل "الجزيرة" لمعرفة أعدائها على الأقل، وجاء على لسانه "يجب مشاهدة برامج الجزيرة كاملة قبل الحكم عليها بأنها تمثل التيار الإسلامي المتطرف، وحتى إن أعطت الكلمة لبعض المعادين لأمريكا والسامية فإن الإدارة الأمريكية يمكنها الاستفادة من ذلك لمعرفة من هم أعداؤها الحقيقيون". تصريحات ماراش تؤكد أن القناة القطرية وضعت رجلها على أول طريق التنازلات التي سيقودها لا محالة إلى تنازلات أكبر وأكبر؛ بدليل أن القناة فشلت حتى الآن في الحصول على حق البث في أمريكا، وكندا أين تعطلت المفاوضات بينها وبين المتعاملين في ميدان البث عبر "الساتل أو الكابل" الذين رفضوا السماح لها بالبث تحت ضغوطات من المحافظين الجدد، فأمريكا لن تقبل بازدواجية الخطاب الذي تريد القناة القطرية اللعب عليه، ولن يكفيها تخفيف لهجة "الجزيرة الدولية" ما لم يكن ذلك مرفقا بنفس الإجراء على مستوى القناة الأم؛ أي "الجزيرة" باللغة العربية، ولن تفوت أمريكا فرصة استغلال طموح قناة "الجزيرة" في دخول واجهتها الإعلامية لتحقيق ما فشلت فيه سابقا رغم الملايير التي استثمرتها في إنشاء قنوات إخبارية موجهة للعالم العربي لتحسين صورتها، وهو ما يفسر الطريقة الابتزازية التي تستعملها للحصول على أكبر قدر من التنازلات من جهة قناة "الجزيرة" التي قد يكون لطموحها المشروع نتائج عكسية على مصداقيتها وبعدها العربي الإسلامي، وبالتالي ضياع الشعبية الكبيرة التي حققتها حتى الآن في أوساط الشعوب العربية، خاصة وأن معالم سياستها الجديدة بدأت تتضح من خلال تخفيف حدة لهجتها اتجاه السياسة الأمريكية تحت غطاء الموضوعية، لكن هناك فرقا كبيرا بين الموضوعية وبين الحياديّة الباردة، فقناة "الجزيرة" هي في الأساس قناة عربية، وبالتالي فالتعامل مع القضايا العربية المحورية يجب أن يتجنّب الحيادية الباردة التي تفتقد الالتزام والانحياز إلى قضايا الشعوب العادلة، هذه الشعوب التي بفضلها ارتقت "الجزيرة" إلى القمة وأصبحت اليوم متواجدة في ما يفوق 80 مليون بيت عبر العالم، وتكون "الجزيرة" قد استشرفت هذه النتائج، ولهذا تحاول جاهدة أن تدعم موقفها إعلاميا على المستوى العربي، فبعد "الجزيرة" الموجهة للمغرب العربي، أعلنت المحطة أنها ستطلق خلال منتصف السنة المقبلة صحيفة عربية باسم "الجزيرة الدولية" من شأنها أن تنافس "الحياة" و"الشرق الأوسط" اللتين تصدران في لندن بتمويل سعودي، "الجزيرة الدولية" المنبثقة عن شبكة "الجزيرة" الفضائية ستنشر من عاصمة عربية، أي من الدوحة وليس من لندن، وهي إخبارية عامة يتمحور عملها حول تغطية التطورات على مستوى العالم، إضافة إلى التحقيقات والتحاليل، وإذا كانت المحطة قد رفضت الكشف عن ميزانية المشروع الجديد إلا أن مصادر قريبة من الناشرين أكدت أن ميزانية "الجزيرة الدولية" ستكون بحدود 20 مليون دولار. سمير بوجاجة: [email protected]