بقلم: ابن خلدون: IBN-KHALDOUN@MAKTOOB.COM يجمع الملاحظون أن الوقت قد حان لتغيير السياسة الأمريكية في العراق بعد نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي، التي أبرزت تنامي التيار المعارض للحرب لدى الشعب الأمريكي. خصوصا بعد أن دعا بعض أعضاء الكونغرس عن الحزب الديمقراطي الذي صار يحوز الأغلبية الرئيس بوش لإخطار بغداد أن الوجود الأمريكي هناك لن يدوم إلى الأبد. أو كما عبّر عن ذلك كارل ليفن الرئيس الجديد للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الذي قال: »يتعين أن نبلّغ العراقيين أن التزامنا المفتوح قد انتهى«. ولنا أن نتساءل كمهتمين بالشأن العراقي وانعكاساته على أمتنا قاطبة من أين يبدأ المنعرج الجديد في السياسة الأمريكية، وكيف نلمسه؟. الجميع ينتظر بعد أسابيع قليلة تقريرا في غاية الأهمية، سيرى النور كما هو متوقع له في شهر ديسمبر الداخل، والذي تعكف على إعداده مجموعة دراسة العراق Iraq Study Group. وهو فريق عمل أنشأه الكونغرس في 15 مارس 2006 لتقييم الوضع العراقي واقتراح السبل الكفيلة بحل الأزمة. وتعرف المجموعة باسم لجنة بيكر أو لجنة بيكر هاملتون، نسبة على التوالي لوزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر والرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي لي هاملتون. وتضم اللجنة المستقلة عن الإدارة الأمريكية عشرة أعضاء يتقاسمهم مناصفة الحزبان الجمهوري والديمقراطي. وقد تمحور اهتمام اللجنة حول ثلاث نقاط هي: البيئة الاستراتيجية للعراق والمنطقة. أمن العراق وأبرز التحديات أمام تحسين الأمن. التطورات السياسية في العراق بعد الانتخابات العراقية وتشكيل حكومة جديدة. الاقتصاد والإعمار. وتجدر الإشارة أن البيت الأبيض رحب بإنشاء اللجنة. والتقى الرئيس بوش بالمجموعة للمرة الأولى في 14 جوان 2006. وقد علق على عملها بالقول: »لن أصدر أحكاما مسبقة على تقرير اللجنة التي أسعدني الاجتماع بأعضائها الذين يريدون مثلي أن تنجح مهمتنا في العراق«. كما تحظى اللجنة بدعم معهد الولاياتالمتحدة للسلام ومقره واشنطن والذي يملك خبراء في الشأن العراقي، هذا إضافة لدعم ثلاث مؤسسات بحثية كبيرة هي »مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية«، »مركز دراسة الرئاسة« و»معهد جيمس بيكر للسياسة العامة«. ورغم أن لجنة بيكر لا تستطيع فرض رأيها على الإدارة الأمريكية، وأن القرار النهائي بشأن العراق يعود إلى إدارة الرئيس بوش، لكن نتائج انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس وفوز الحزب الديمقراطي وما تلاه من استقالة وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد كلها تزيد من احتمالات أخذ بوش بنصائح اللجنة. كما أن تعيين مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق روبرت غيتس وزيرا للدفاع خلفا لرامسفيلد، علما أن غيتس عضو في لجنة بيكر، سيتيح فرصة جيدة لتطبيق توصيات المجموعة. وإذا كان الموعد النهائي لتقديم تقرير المجموعة لم يحدد بصفة رسمية، إلا أنها أعلنت أن ذلك سيكون بعد انتخابات الكونغرس الأخيرة. حيث ستقدم التقرير إلى الكونغرس والرئيس بوش، وسيقدم إلى الشعب الأمريكي والإعلام في اليوم ذاته. فماذا نتوقع من التقرير؟. إذا كان بيكر وهاملتون قد رفضا الإفصاح عن التوصيات المحتملة للمجموعة، فإن التلميحات كلها تذهب باتجاه تفضيل التسوية السياسية للمعضلة العراقية، رغم ما قاله بيكر من أن الانسحاب الفوري وترك العراق كدولة فاشلة يشكل مجازفة تجتذب تدخل الدول المجاورة. ولم يتوان بيكر في تصريح لقناة بي.بي.آس التلفزيونية بتاريخ 12 أكتوبر الفارط عن التأكيد أنه يؤمن شخصيا بالتحدث إلى الأعداء. يومها دعمه هاملتون بالقول: »إنني أوافق على ذلك. وأنا لم أفهم أبدا كيف يمكن للمرء حل المسائل بدون تباحث الناس حولها«. واعتبر المحللون ذلك انفتاحا من قبل المجموعة على إيران وسوريا، وضرورة إشراكهما في حل المعضلة العراقية. بل ان من أهم الأسئلة التي طرحتها المجموعة وتحاول الإجابة عليها في تقريرها هو كيف يمكن إشراك إيران وسوريا في مساعي تهدئة الأوضاع بالعراق. وهناك محاولة لاقتراح ما يمكن تقديمه للدولتين من أجل إقناعهما بالتعاون مع الولاياتالمتحدة، بالإضافة إلى توضيح أهداف واشنطن في المنطقة وتهدئة مخاوف طهران ودمشق. وقد عبّر عن هذا المنحى ديفيد ساترفيلد منسق سياسة العراق في وزارة الخارجية في جلسة مساءلة للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ حين قال: »إننا نعتقد أن الحكومة السورية تدرك بواعث قلقنا تماما، كما تدرك تماما الخطوات المطلوبة لمعالجة بواعث ذلك القلق«. أما عن إيران فقال: »إن الولاياتالمتحدة مستعدة لمناقشة نشاطات إيران في العراق«. وأضاف أن توقيت مثل هذا الحوار المباشر أمر مازلنا نعكف على النظر فيه. لكن جوشوا بولتين رئيس موظفي البيت الأبيض صرح لشبكة أ.بي.سي التلفزيونية أنه لن يستبعد أي من المقترحات بشأن الحوار مع سوريا وإيران. كما أوردت النيويورك تايمز نقلاً عن دانا بيرنو المسؤولة بالمكتب الإعلامي بالبيت الأبيض قولها إن الولاياتالمتحدة أوضحت الدور البنّاء الذي يمكن لسوريا أن تلعبه في المنطقة. أضف إلى ذلك ما صرحت وزيرة الخارجية البريطانية مارجريت بيكت إنه يجب أن تكون إيران وسوريا جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة. وكل هذه التصريحات تزامنت مع قيام لجنة بيكر باتصالاتها مع سوريا وإيران. فقد أوردت صحيفة الواشنطن بوست أن بيكر التقى لثلاث ساعات مع جواد ظريف سفير إيران بالأمم المتحدة. وأنه التقى في سبتمبر الفارط وزير الخارجية السوري وليد المعلم بنيويورك وسأله: ما الذي ستخسره سوريا للمساعدة في موضوع العراق؟. وأن سوريا ردّت على استفسار بيكر كما صرح بذلك السفير السوري عماد مصطفى في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز بمنتهى الصراحة. حيث أخبرته بالأشياء التي بمقدور سوريا فعلها، والأشياء التي لا يمكن فعلها. وأردف السفير السوري قائلا: إن على الأمريكيين أن يعترفوا بفشل سياساتهم في العراق، وأن عليهم الآن أن يعيدوا ترتيب حساباتهم. وقال إن الحكومة السورية تملك علاقات جيدة مع الفصائل العراقية المختلفة، وأنها ترغب في المساعدة في إعادة إطلاق الحوار الوطني في العراق. وربما هذا ما يفسر إلى حد كبير التوجه السوري نحو العراق من خلال الزيارة التاريخية التي قام بها وزير الخارجية السوري مؤخرا إلى بغداد. والزيارة التي قام بها هذه الأيام الرئيس العراقي إلى طهران. إن إنشاء مجموعة دراسة العراق يعد بحد ذاته دليلا على أن هناك حاجة إلى تحول في السياسة الأمريكية تجاه العراق. وهذا التحول يصب باتجاه انسحاب تدريجي مجدول، قد يكون كاملا وقد لا يكون. أما ما تردد عن إمكانية اقتراح اللجنة لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات شيعية وسنية وكردية فتستبعده جل الأوساط العسكرية والدبلوماسية، لما في ذلك من مخاطر. فالدويلة الكردية في حال التقسيم ستسيطر على قرابة 40٪ من ثروة العراق، ويسيطر الشيعة في الجنوب على باقي الثروة، وسيكونون على الأرجح تحت التأثير الإيراني. بينما يترك السنة دون مورد. علاوة على أن التقسيم سيستفز تركيا التي تعارض قيام دولة كردية على حدودها. على ضوء ما سبق فإن تقرير لجنة بيكر، الذي سيرى النور في شهر ديسمبر، سيكون له بالغ الأثر على مستقبل المنطقة. وهو كما أشرنا سيؤدي إلى انسحاب تدريجي من العراق. لكن علينا ألا نفرط في التفاؤل لأن توصيات التقرير ليست ملزمة لصقور البيت الأبيض من جهة. ومن جهة أخرى فإن بوش ينتظر تقريرا آخر قد يكون له أثره على توجهات الإدارة الأمريكية. فقد شكل الجنرال بيتر بايس، رئيس هيئة الأركان المشتركة، هيئة خبراء في سبتمبر الماضي ذات تكليف أوسع من لجنة بيكر. حيث عهد إلى فريق بايس التوسع في دراستهم لتشمل أفغانستان والحرب على الإرهاب. ومن المتوقع أن يصدر تقرير بايس هو الآخر في شهر ديسمبر. وهو الشهر الذي يترقبه الملاحظون بشغف شديد. لأن التوصيات التي ستصدر فيه قد يكون لها أثرها البالغ على السياسة الدولية للقرن الواحد والعشرين...