بقلم: ابن خلدون: IBN-KHALDOUN@MAKTOOB.COM جميع ما تصوره بوش أعتبره العالم ضرب من الجنون. ما يندرج ضمن التصور الأمريكي ولا يعتبر ضرب من الجنون هو مراهنة واشنطن على الموقف الرسمي العربي المؤيد لها. فذلك رهان أكيد لا يسخر العالم من الرئيس الأمريكي حين يشهره. فكما راهن بوش الأب على العرب يراهن عليهم بوش الابن... الحديث السريع الذي زعموا أنه دار بين أحد منفذي الإعدام، وبين صدام حسين قيل أنه سار كالتالي: أنت دمرت العراق، وأفقرت الشعب، وجعلتنا جميعا مثل الشحاذين، بينما العراق واحد من أغنى دول العالم. ورد صدام: لم أدمر العراق وحولت العراق إلى بلد غني وقوي. وإذا كان ما نقل صحيحا، فهو يلخص بالقليل من الكلمات مأساة شعب العراق. لكونه يرتكز على محصلة أمريكية مفادها أن ما فعله صدام شر مطلق؟. لهذا تحركت الإستراتيجية الأمريكية حول هذه المحصلة: واحد من أغنى دول العالم يحكمه واحد من أعتى طغاة العالم. فمن السهل إذن مقايضة حرية العراقيين بخيرات بلدهم. بكلمة أخرى رأى بوش أنه بإمكانه التدخل في العراق وإسقاط نظام حكم صدام حسين، وفي مقابل ذلك لن يمانع العراقيون من استغلال ثروات بلدهم. ومن المؤكد أن العراقيين سيرضون بهذه القسمة. لكن الذي حدث كان خارج هذا التصور. لم يكن يندرج ضمن التصور الأمريكي أن إسقاط نظام صدام حسين سيترتب عنه تحديا من نوع خاص للإله العسكرية الأمريكية. فضعف النظام العراقي وكراهية شعبه له الذي مل الحصار جعل واشنطن تعتقد أن العراق برمته سيتحول إلى صفها بمجرد دوي الطلقة الأولى للحرب، باعتبار أن رئيسه هو الشر المطلق. لكن الترحيب خارج دائرة العملاء ودائرة المنتفعين لم يكن بانتظار علوج أمريكا. ولم يكن يندرج ضمن التصور الأمريكي كما قال الخبير الفرنسي جاك ايزنار إمكانية انزلاق الوضع العراقي بفعل هشاشة الأوضاع الداخلية نحو الفتنمة (مثل الفيتنام) أو الأفغنة (مثل أفغانستان) أو قل حتى الصوملة (مثل الصومال) التي جعلت واشنطن ترى بحسرة جثث قتلاها عام 1991 يجرها أطفال مقاديشو. ويعاد لها المشهد في شوارع بغداد والفلوجة وغيرهما. ولم يكن يندرج ضمن التصور الأمريكي أن يكون صدام حسين كما كتب الدكتور فيصل الفهد قد شكل قيادة سرية تنزل تحت الأرض للإشراف على قتال الأمريكيين في شوارع بغداد والحلة والرطبة وراوى وسامراء وتكريت بعد احتلال العراق. وهي المقاومة التي فشلت كل محاولات تقزيمها فما بالك بالقضاء عليها. ولم يكن يندرج ضمن التصور الأمريكي أن يكون البديل عن صدام حسين هو فسيفساء طائفية متناحرة زادت في تعقيد أوضاع العراق. وحرمت أمريكا من تحقيق الأمن لجنودها، كما حرمتها من الاستفادة المثلى من ثروات البلد، التي ظنت أنها ستبدأ في جني ثمارها مباشرة بعد سقوط بغداد. ولم يكن يندرج ضمن التصور الأمريكي كما رأينا في حديث الأسبوع الفارط أن تتضاعف تكاليف الحرب إلى الحد الذي يجعلها تفوق كل تصور وخيال. ولم يكن يندرج ضمن التصور الأمريكي أن تنهار شعبية الرئيس فجأة مثلما أنهار برجي التجارة. وأن الديمقراطيين سيزحفون على الكونغرس تمهيدا للزحف النهائي على البيت الأبيض. ولم يكن يندرج ضمن التصور الأمريكي أن تسقط ذرائع الحرب الواحدة تلو الأخرى، ومعها انهارت أسطورة القدرة العسكرية الأمريكية. وانهار معهما كذلك مشروع الشرق الأوسط الكبير أحيانا والجديد أحيانا أخرى. لكن رغم كل ذلك لا يبدو على بوش أنه يستعجل الخروج من المستنقع العراقي كما استعجل الدخول إليه. وهذا ما يبدو أنه يندرج ضمن التصور الأمريكي الجديد. فمهما قيل عن الإستراتيجية الجديدة في العراق وعجزها عن تغيير الوضع الحرج الذي وقعت فيه الولاياتالمتحدة منذ شن الحرب. وأنها مجرد خمرة قديمة في زجاجة جديدة كما وصفها البعض، فإن بوش ماض فيها ويحاول أن يقنعنا بوضوح التصور الذي يراه لمستقبل العراق. ومن هذا المنطلق خاطب الكونغرس ذي الأغلبية الديمقراطية بأن يمنحه فرصة لينجح في العراق. ومهما قيل عن الفوضى الداخلية التي أغرق فيها العراق بعد احتلاله، والتي جعلت من المستحيل على أي قوة إدعاء القدرة على توحيد الجماهير الشعبية في العراق. فمن الواضح أن بوش يتجاهل هذه النقطة، ويصر على جمع السنة والشيعة والأكراد ولو بالقوة. ومهما قيل عن خسارة بوش للتأييد والدعم الدولي الذي انتشى به حينما أوهم العالم أنه يقود حربا على الإرهاب، خسر كذلك الدعم الداخلي. ثم خسر دعم منظري المحافظين الجدد وعلى رأسهم فرانسيس فوكوياما، قبل أن يخسر الانتخابات. ليختتم سلسلة الخسائر بما أوردته صحيفة الواشنطن بوست عن أن وزارة الدفاع الأمريكية وهيئة الأركان المشتركة تعارضان معارضة شديدة زيادة عدد أفراد القوات الأمريكية في العراق. وتريان أنه من الصعب أن يتم قمع المواجهات الطائفية والاضطرابات التي يقوم بها أهل السنة بصورة فعالة اعتمادا على الزيادة المعتدلة لأفراد القوات. لكن بوش استمر في خط سيره إلى الأمام. من يقرأ هذا الكلام يقول أن الرئيس الأمريكي "يقامر مقامرة كبرى ودون أدنى حياء، لأنه يتجاهل - بإصراره على إيفاد مزيد من الجنود الأمريكيين إلى العراق - نتائج الانتخابات النصفية، ويستخف بتوصيات لجنة بيكر هاملتون، وبالديمقراطيين، الذين فازوا في تلك الانتخابات، وببعض الأصوات المعارضة الصادرة من صفوف حزبه، وبعدد من القادة العسكريين الأمريكيين، الذين يرون أن الزيادة في عدد الجنود بالعراق لا فائدة منه". جميع ما تصوره بوش أعتبره العالم ضرب من الجنون وسخر منه لأجل ذلك. ما يندرج ضمن التصور الأمريكي ولا يعتبر ضرب من الجنون هو مراهنة واشنطن على الموقف الرسمي العربي المؤيد لها. فذلك رهان أكيد لا يسخر العالم من الرئيس الأمريكي حين يشهره. فكما راهن بوش الأب على العرب يراهن عليهم بوش الابن. من بوش الأول إلى بوش الثاني ظل البيت الأبيض يتمتع بمباركة النظام السياسي العربي لجرائمه ولو بالصمت المشين. وهذا ما قصدته من العنوان الهجين الذي اخترته لموضوع اليوم. أما ذوي النوايا السيئة الذين يعتقدون أن المقصود من العنوان هو Bouche à bouche ومعناها القبلة الحارة فهم يذهبون بتفكيرهم بعيدا، وهو ما لا نقصده لكن يعجبني تفكيرهم في ذلك الأمر. حالهم حال التلميذ المشرقي الشقي الذي أرادت معلمته اختبار ذكائه فسألته: ايش الشيء اللي يحلق في السماء وله جناحين ويبدأ بحرف الطاء، فرد عليها وقال الطيارة، فقالت المدرسة: صح ولكن قصدي كان على الطير. مش مهم بس عجبني تفكيرك. طيب السؤال الثاني: ايش الشيء اللي يسبح في البحر ويبدأ بحرف السين، فرد عليها وقال السفينة، فقالت المدرسة: صح و لكن ! قصدي كان على السمكة. مش مهم بس عجبني تفكيرك. فقال التلميذ: طيب ممكن أس ألك أنا؟. فقالت المدرسة: اسأل ، فقال: ايش الشيء اللي في بنطلوني ويبدأ بحرف الزاي؟. فردت المدرسة بغضب: أنت قليل الأدب. فقال الولد: لا أنا بأتكلم على الزرار بس عجبني تفكيرك...! وليعذرني القراء على هذه النكتة السمجة التي أوردتها مضطرا قبل أن يدركنا زمان نوردها كحادثة يكون دورنا فيها بصيغة المفعول به وفيه. فالعالم بأسره يفكر بطريقة سوية ونحن نفكر ونسبح عكس التيار، بدليل أن كل العالم رأى بوش على خطأ ولا زلنا نراه على صواب بصمتنا، وهذا هو تفكير العرب الذي يعجب بوش. ولله في خلقه شؤون..!؟