د. بشير مصيطفى: msitba@voila.fr مستشار اقتصادي/ دبي تعتبر الجزائر في مجال الهجرة غير الشرعية ولحد اليوم بلد عبور، حيث تفيد تقارير من الاتحاد الأوربي بأن البلد يأوي حوالي 20 ألف مهاجر غير شرعي، كلهم قادمون من إفريقيا جنوب الصحراء، وبالنظر الى تزايد عدد الجزائريين الذين يمارسون هذا النوع من الهجرة على الرغم من قلّة عددهم مقارنة بما هو عليه الوضع في المغرب الأقصى مثلا، فإن تحوّل الجزائر من بلد عبور الى بلد مصدر لليد العاملة الرخيصة يعد مشهدا محتملا أمام التحوّل الديمغرافي في البلاد على آفاق الأربعين عاما القادمة من جهة، وفي ضوء قوانين الهجرة والموقف الأوربي المتّسم بالصرامة الأمنية تجاه واحدة من أكثر الظواهر الاجتماعية الدولية تعقيدا من جهة ثانية. الهجرة غير الشرعية وزيارة ساركوزي ماذا تعني زيارة وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي للجزائر مؤخرا في سياق التعاطي مع مشكلة الهجرة غير الشرعية الى هذا البلد عبر البوابتين الإيطالية والإسبانية؟ التخفيف من شروط منح التأشيرات يعني اتجاها نحو التقليص من منحى الهجرة غير القانونية على وتيرة التخفيف من الشروط المذكورة، ويبدو أن فرنسا تملك دلائل على احتمال تفاقم الهجرة السرية اليها من دول المغرب العربي ليس للاستقرار بها فحسب، بل ولتحويلها هي الأخرى الى منطقة عبور نحو دول أوربية أخرى. الجزائر هي الأخرى كانت يوما ما منطقة استقطاب لليد العاملة المغاربية في عهد الستينيات والسبعينيات قبل أن تتحوّل بعدئذ الى منطقة عبور للشباب الإفريقي الذي مازال يحلم بالهجرة نحو أوربا، واليوم نشهد تباشير تحوّل هذا البلد المتوسطي واسع الساحل الى بلد مصدّر للهجرة غير القانونية. واهتمام فرنسا بالدور الجزائري في إدارة هذا الملف نابع عن الآثار المحتملة للتحول الديمغرافي الذي نحن مقبلون عليه في آفاق العام 2050 مع توسع شريحة السكان ضمن الفئة العمرية النشطة والعرض المتزايد لليد العاملة غير المدرّبة، الى جانب طبيعة سوق العمل الجزائري الذي لا زال يفتقد الى المرونة الكافية. إن الطلب المتزايد على فرص العمل (500 ألف فرصة عمل سنويا) يعني في منهجية الاستقرار الاجتماعي توسّعا استثماريا مناسبا وإطلاق مشاريع تشغيل دائم في قطاعات أخرى غير القطاعات التقليدية المتّصفة بالتشبع وإلا فإن السكان يهاجرون الى حيث الثروة، طالما ظلت الثروة بعيدة عن متناولهم. وربما يكون أسلوب تنظيم الهجرة في إطار ما يعرف بحركة الأشخاص بديلا مناسبا ليس فقط لتأمين فرص عمل مقبولة للعاطلين عن العمل بل ولتمويل جزئي لموازنة الدولة من خلال التحويلات النقدية. الهجرة غير الشرعية كقطاع أعمال مربح تذهب بعض الإحصائيات الى أن دول المغرب العربي صارت المعني الأول بالهجرة السرية نحو أوربا، فليبيا التي تحتضن فوق أراضيها مليون مهاجر غير شرعي تواجه مشكلة حقيقية مع الأمن الأوربي، وهي اليوم تشنّ حملة واسعة النطاق لترحيل هؤلاء المهاجرين، والمغرب الذي يحتضن 8 ألاف مهاجر سري يعمل على محاصرة هذه الظاهرة من خلال تشديد الرقابة على حدوده والاستفادة من التجربة الأوربية في هذا المجال، الشيء الذي يدفع بمهندسي قوارب الموت الى استخدام البديل الجزائري متمثلا في الساحل الغربي الواسع، وتمكّنت شبكات التهريب من تحويل هذه الظاهرة الى قطاع أعمال مربح يدر على مديريها ما بين 5 الى 15 الاف أورو لرحلة واحدة تضم من 10 الى 15 شخصا. واللافت في هذا الصدد، هو تحوّل شبكات التهريب هذه من تأمين الطريق للأفارقة الذين يقطعون الصحراء أو ينزحون من الدول المجاورة الى تأمين الهجرة للجزائريين أنفسهم، وهذه سابقة في تاريخ الجزائر قد تؤدي الى مآلات غير متوقعة، وربما يكون الدافع الى ذلك ربحية مثل هذه الأنشطة في أجواء تنامي الاقتصاد الموازي وعدم فعالية سياسات التشغيل المتبعة حتى اليوم. ومن جانب آخر، تحمل هذه الظاهرة بعدا اجتماعيا يعكس وضعية شريحة واسعة من الشباب يحلم بوضعية أحسن في حين لم يعد يرى في إدارة الاقتصاد الوطني حلا سريعا لمشكلاته اليومية. الموقف الأوربي : رفض أمني وطلب اقتصادي ومن بين دواعي الهجرة غير الشرعية في الحالة الجزائرية شراهة السوق الأوربي الى اليد العاملة من إفريقيا بسبب فارق الأجور بين الضفتين الشمالية والجنوبية، فالعامل الإفريقي يقبل بنصف أو ثلث الأجر الذي يتقاضاه العامل الأوربي، وقد يقبل العمل دون تأمين صحي وربما يتقبل أي وظيفة، وهذه ميزات نسبية للعمالة الإفريقية أفرزت لنا تناقضا بين الطلب الاقتصادي عليها من جانب الشركات الأوربية (في ظل ما يعرف بالقطاع غير الرسمي والذي يمثل 20 بالمائة من السوق في الاتحاد الأوربي )، والحظر القانوني المتمثل في إجراءات مكافحة الهجرة غير القانونية. ولقد بدا هذا التناقض جليا عند نهاية أشغال المؤتمر الإفريقي الأوربي (طرابلس، 23 نوفمبر 2006) برفض الاتحاد الأوربي للمقترح الإفريقي والقاضي بإنشاء صندوق خاص للتنمية في إفريقيا (10 مليار دولار أمريكي) للمساعدة على توطين اليد العاملة الإفريقية المهاجرة. وقد كان هذا الرفض منسجما مع الطرح الأوربي الذي يعتمد المعالجة الأمنية والقانونية لظاهرة دوافعها اقتصادية بالدرجة القصوى. ومن هذا المنظور أيضا، ينظر الى الجزائر باعتبارها واجهة مهمة في ملف الهجرة غير القانونية من الجنوب نحو أوربا، فهل يتمكن المقرر الجزائري من استثمار هذه الرؤية كورقة سياسية في سبيل تبادل المنافع والخيرات بين شمال غني وجنوب تهدّده البطالة والفقر من كل جانب؟.