نسيم لحكل: [email protected] وزير الداخلية الفرنسي خلال زيارته الأخيرة للجزائر، قال أن التواجد المسيحي لغرض انساني بالمدية هو أمر جد ضروري، وذلك - حسبه - بالنظر إلى الإرث التاريخي الذي تحتله كاتدرائية الأطلس في نفوس الجزائريين، وعندما قال هذا الكلام كان الإنطباع السائد هو أن مرشح الرئاسيات الفرنسية القادمة يبتذل في الكلمات، لأن المناسبة كانت الترحم على الرهبان السبعة الذين قتلتهم الجماعة الإسلامية المسلحة في تبحرين.. وعندما صدر هذا الكلام من ضيف الجزائر في المدية بالضبط، لم يكن الأمر يحتمل سوى أن هذه الأمنية مرتبطة بذكرى هؤلاء الرهبان الذين اغتيلوا في المدية كذلك. ولكن عندما تتسرب الأخبار وتبدأ المعلومات في الظهور والبروز إلى السطح، حول استئناف المبشرين المسيحيين لنشاطاتهم في الجزائر، فإن تصريحات الوزير ساركوزي لا يجب أن تقرأ ببراءة سياسية أو دينية، وخاصة عندما تتحدث هذه المعلومات نفسها أن منطقة المدية هي الولاية الأكثر استهدافا من طرف هؤلاء المبشرين. الأمر هنا لا يحتمل أكثر من تفسير واحد من مجموع تفسيرين محتملين، فإما أن ساركوزي كان يعي جيدا لما قال أن التواجد المسيحي بالمدية بالذات هو أمر غاية في الأهمية، وبالتالي يأتي استهداف شباب هذه المنطقة وفقا لخلفيات معينة لا يعلمها في الأرض إلا وزير شيراك للداخلية، أو أن الأمر يتعلق بدراسة جدوى أجراها هؤلاء المبشرون للسوق الجزائرية فوجدوا أن ولاية المدية هي أنسب منطقة يمكن أن تنجح فيها مخططاتهم التبشيرية إلى المسيحية المحرفة. على شاكلة المتاجرين بالأزمات وبآلام وجراح الناس، يفكر هؤلاء المبشرون في اللعب على وتر المعاناة والفقر لكسب مزيد من المريدين وهم حينما يركزون أكثر على المدية، فهم يقصدون ذلك، لأنهم يعلمون أن هذه المنطقة بالذات كانت من أكبر الولايات تضررا من "الحقبة الإرهابية"، زيادة على ذلك تعتبر من الولايات الأشد فقرا إن لم نقل أفقر ولاية في الوطن كما أشارت إلى ذلك دراسة سابقة أجراها مكتب أممي هنا في الجزائر، ولا غرابة في استهداف هذه المنطقة بالذات عندما تكون الوسيلة هي "الصيد في المياه العكرة" لتحقيق أهداف تبشيرية تهدد الوحدة الوطنية (!) الغريب أن هؤلاء المبشرين اهتدوا إلى طرق وأساليب للتحايل على المسؤولين الجزائريين، خصوصا وأن الحملات التبشيرية تأتي أشهرا فقط بعد مصادقة الحكومة على قانون تنظيم الشعائر الدينية لغير المسلمين، وهو القانون الذي أثار ضجة عالمية وليس محلية فقط لا لشيء إلا لأنه يجعل من التبشير لأي ديانة كانت جريمة يعاقب عليها القانون.. لهذا فقد لجأ كثير من هؤلاء المبشرين إلى "الأنترنيت" كأحسن وسيلة لاصطياد الضحايا وإخراج العباد من التوحيد إلى التثليث (!) ويبدو أن هناك حملة منظمة تطبخ في دوائر ما، من أجل الرد على قانون تنظيم الشعائر الدينية لغير المسلمين الذي اعترضت عليه عدة جهات دولية رسمية، ولن يكون هذا الرد سوى بتكثيف النشاط التبشيري وكسب أكبر عدد من المريدين كي يظهر للرأي العام أن القانون الذي جرم التنصير والتبشير كان له مفعول عكسي، وبالتالي الضغط باتجاه إلغائه، وتظهر الجزائر وكأنها استجابت لضغوطات أجنبية من أجل التراجع عن هذا القانون "التاريخي"، الذي يبقى مجرد كلام مادام أنه رغم مرور عدة أشهر على دخوله حيز التنفيذ، إلا أننا لم نسمع إلى اليوم أن هناك مبشرا أو منصرا تمت إحالته على العدالة أو سرت عليه أحكام هذا القانون الذي يجب أن يثبت المسؤولون عن صياغته وتنفيذه بأنهم لم يضعوه بهدف "ذر الرماد على العيون" بعد ما ازدادت قبيل إصداره حدة الإنتقادات لوزارة الشؤون الدينية التي اتهمت بالتقصير في مواجهة "المد التنصيري" قبل أن ترد بهذا القانون الذي يبقى إلى اليوم مجرد قانون ينتظر من يطبق عليه؟!