مازلت أتذكر ذلك اليوم الذي وطأت إقدامي مدينة الباهية وهران عام 2009، زيارة اخترتها أنا وبعض الزملاء لتكون تحت عناوين الفرجة، المتعة و الفائدة و كذا التعرف عن كثب لم يجول بهذه المدينة التي تعد من أعظم المدن الجزائرية بما تحتفي به من مكنونات إرثية وتاريخية وهندسة عمرانية أوجدتها تعاقب... مختلف الحضارات والشعوب عبر مر الأزمنة. ولأني نادرا ما تطرقت في كتباتي ومقالاتي إلى تجاربي الشخصية، إلا أنني أجد نفسي أمام أمر الضرورة لأن ارسم خرجتي إلى وهران بكلمات اعرف أنها لن تجسد ذلك الواقع والتجربة التي عشتها هناك .فقد سبق و أن زرت العديد من المدن الجزائرية الكبيرة إلا أنني لم أجد أيا منها في مستوى مدينة وهران من حيث النشاط الفكري والثقافي وحتى الحضاري، حقيقة فالزائر لمدينة وهران يجد نفسه أمام أطباق ثقافية وأدبية دسمة، وأمام بستان تنوعت أزهاره وتلونت بألوان الماضي والحاضر والمستقبل أما إذا تكلمنا عن سحر الطبيعة في هذه المدينة، سأكتفي بوصفها بأنها المدينة الباهية الفاتنة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. كل مار ويته لكم عن هذه الساحرة وما خلدته من اثر عميق في نفسي، تصوروا انه مسح في لمح البصر كما يمسح الغبار من على الطاولة، هذا ما حملته الدقيقة الخامسة عشرة بعد منتصف الليل في مدينة وهران آنذاك .فبعد أن عدت أنا و الأصدقاء من تجوال كان ممتعا ومتعبا، قصدنا الإقامة الجامعية للطلبة والتي سنقضي فيها مبيتنا ، حيث تناولنا العشاء في أجواء لا يعكر صفوها إلا البرد القارس الذي نزل كالسارق في تلك اللحظة. وبعد سهرة طويلة تجاذبنا فيها أطراف الحديث مع الطلبة والأصدقاء ذهبت كل مجموعة إلى غرفتها للنوم والراحة عناء اليوم، وبينا الكل نيام في ليلة يغشاها برد وظلام دقت ساعة الحقيقة وعلى وقعها استفقنا مفزوعين على صرخات و أصوات من نار بل صرخات موت، إنه الزلزال، استفقنا وكل شيء يهتز من حولنا وكأني بالدنيا تنفض أنفاسها الأخيرة .أي مشهد يمكنني أن أصوره لكم، فزع، رعب وذهل، مشهد قد لا تتمناه لألذ أعدائك، تعالت الأصوات فزعا وخوفا وترى هذا يقفز من أعلى النافدة والأخر قد أغمي عليه وكل واحد نفسي، نفسي . لكن ما هي إلى لحظات حتى ركن كل شيء مكانه وانقضت الزوبعة الزلزالية وقد خلفت من ورائها مشهد لم أكن لأراه إلا في الأفلام وكوابيس الأحلام، وإن لم تخلف هذه الهزة ضحايا وانهيار بنايات إلا أنها أوقعت أبصاري و كياني وأنا أرى الساحة قد اكتظت بالطلبة والعمال والكل مفزوع، هذا جامد وقد بلعت الصدمة لسانه وهذا يحدث نفسه والأخر لم يكف بعد عن الصراخ، ليتحول ذلك الليل الحالك، نهارا و البرد، نارا من هول ما حدث .ومازلت أتمعن وأتدبر في الصورة التي أمامي حتى أدركت أخيرا من هو الإنسان ، أدركت حجم هذا الكائن الذي لطالما يتجبر في الأرض و يتكبر فيها، والذي يتفاخر بماله و قوته وجاهه ، أدركت فعلا انه اضعف مما كنت أتوقع ومما تتوقعون، رأيته أضعف من عصفور في قفص ومن سمكة أخرجت من مائها ، رايته أضعف من يمشي على وجه هذه البسيطة .حينها بصرت قوله تعالي : {{خلق الإنسان هلوعا إذا مسه الشر جزوعا }}. مجسدا في واقع حي أمام عيناي وآية لمستها في كائني وكياني .ولما أشرقت الشمس بنور ربها على مدينة وهران في الصباح ، لا حديث غير الحديث عن الهزة الأرضية، فاندهشت لسماعي البعض يتفاخر بأن ما حدث في تلك الليلة مجرد هزة عابرة لا تدعو للخوف، في حين كان بالأمس لقمة سائغة أكلها وحش الفزع والخوف. فقلت سبحان الله الذي قال أيضا : {{وإذا مسه الخير منوعا }} .