التحقت الجامعة العربية بالمنظمات الإقليمية والدولية في تبنيها لمقترح الجزائر بتجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية مقابل تحرير الرهائن، ويمثل القرار الذي اتخذه وزراء العدل العرب بهذا الخصوص في اجتماعهم أول أمس بالقاهرة مكسبا جديدا للدبلوماسية الجزائرية في هذه المعركة التي تخوضها منذ سنوات طويلة. منذ أزيد من ستة أعوام قامت الجزائر بحملات دبلوماسية منظمة من أجل شرح المخاطر التي تنجر عن دفع الفدية للإرهابيين الذين اتخذوا من اختطاف الرعايا الغربيين في منطقة الساحل والصحراء الكبرى وسيلة لتمويل الأعمال الإرهابية بعد التضييق الذي فرضته عمليات مكافحة الإرهاب خلال عقد التسعينيات، وقد عبرت الجزائر عن استنكارها للجوء الدول الغربية، مثل ألمانيا، إلى دفع أموال طائلة بملايين الدولارات للجماعات الإرهابية من أجل تحرير الرهائن، وقد طرحت هذه المسألة بجدية على إثر اختطاف الرعايا الألمان في الصحراء سنة 2003 والذي انتهى بدفع فدية تحولت فيما بعد إلى مصدر أول لتمويل الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وقد بينت إحدى العمليات التي نفذتها قوات الجيش الوطني الشعبي في الصحراء نوعية الأسلحة التي استطاعت أن تحصل عليها الجماعة بعد حصولها على تلك الفدية، وقد أكد إرهابيون في اعترافات جرت لاحقا بأن أموال الفدية كانت مصدرا أساسيا في تمويل العمل الإرهابي بعد أن وجدت هذه الجماعات نفسها منبوذة من قبل المجتمع. وفي الصيف الماضي كانت موريتانيا قد سلمت الإرهابي عمر الصحراوي الذي كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة 12 عاما بتهمة اختطاف ثلاثة إسبان إلى مالي في إطار صفقة لتحرير الرهائن، والأرجح أن الحكومة الإسبانية تكون قد دفعت فدية، تتراوح بين 3.8 و 10 مليون يورو حسب الصحافة الإسبانية، إلى جانب إطلاق سراح إرهابيين من قبل حكومات في المنطقة وهو ما استدعى تقديم رئيس الوزراء الإسباني الشكر لتلك الحكومات. وأصبح في حكم المؤكد أن موريتانيا خضعت للضغط الإسباني الذي اشتد بعد إقدام تنظيم "قاعدة المغرب" الإرهابي على إعدام الرهينة الفرنسية ميشال جيرمانو في أعقاب الهجوم الموريتاني الفرنسي على مجموعة إرهابية في شمال مالي في 22 جويلية الماضي، وقد أشارت تقارير إعلامية إلى أن العملية العسكرية توقفت تحت ضغط إسبانيا التي سعت إلى إيقاف الهجوم ومواصلة الاتصالات مع التنظيم الإرهابي من أجل التوصل إلى صفقة، وقد فعلت إسبانيا ما فعلته فرنسا في شهر فيفري الماضي عندما ضغطت على حكومة باماكو من أجل إطلاق سراح إرهابيين مطلوبين من الجزائر وموريتانيا ودفعت فدية مقابل تحرير بيار كامات الذي جرى الحديث عن ارتباطه بأجهزة المخابرات الفرنسية، ولم تراع فرنسا حساسية الموقف الإقليمي لمالي كما لم تراع حكومة مدريد الحرج الذي يمكن أن تتسبب فيه الصفقة لحكومة نواكشوط خاصة بعد التزامها بعدم التفاوض مع الإرهابيين أو التنازل لهم. الاقتراح الجزائري الذي شكل أحد أهم المطالب التي تم طرحها في كل الاجتماعات الإقليمية والدولية، وعلى كل المستويات، كان قد اعتمد في وقت سابق من قبل الاتحاد الإفريقي وحركة عدم الانحياز ومن قبل مجموعة إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وهو يلقى دعما صريحا من قبل بريطانيا وروسيا، وانضمت إلى دعمه الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل سنة من الآن لتصبح أغلبية الدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي تدعمه كما تم تبنيه مبدئيا من قبل مجلس الأمن للأمم المتحدة، وهو ما يعتبر إنجازا دبلوماسيا كبير ا للجزائر التي تكافح من أجل فرض تصورات واقعية في ميدان مكافحة الإرهاب تتوافق مع خصوصيات ما يجري في المنطقة ويجعلها بعيدة عن الحسابات السياسية التي ترمي إلى تنفيذ استراتيجيات بعض القوى الكبرى تحت ستار مكافحة الإرهاب، إضافة إلى إلغاء الازدواجية التي تطبع تعامل الدول الأوروبية تحديدا مع الجماعات الإرهابية. ولعل أهم تقدم تم إحرازه كان على مستوى الاتحاد الإفريقي الذي تبنى الأسبوع الماضي قانونا إفريقيا لمكافحة الإرهاب سيتم عرضه على القمة الإفريقية الشهر القادم، وسيؤدي تطبيق هذا القانون إلى تجريم عقد الصفقات مع الإرهابيين، وقد كان غياب قانون لمكافحة الإرهاب يلزم بتقديم المعلومات وتسليم الإرهابيين من أهم الثغرات التي يستغلها الإرهابيون، غير أنه يمثل أيضا مبررا يسمح لبعض الدول بالتملص من التزاماتها في ميدان مكافحة الإرهاب، غير أن الدول الأوروبية تبقى إلى حد الآن الأقل استجابة لهذا المطلب، غير أن تبنيه من طرف المنظمات الإقليمية والدول الكبرى سيضع الاتحاد الأوروبي في وضع حرج، بل إن بعض الأصوات بدأت ترتفع من داخل الاتحاد الأوروبي من أجل عدم التفاوض مع الإرهابيين أو دفع الأموال إليهم، وهذه جبهة مهمة في الحرب على الإرهاب تحقق فيها الجزائر مكاسب هامة.