تمكنت الدبلوماسية الجزائرية مؤخرا، من تحقيق انتصار جديد في مسار مكافحة الإرهاب الدولي وأشكال تمويله، حيث وافق مجلس حقوق الإنسان الأممي بأغلبية الأصوات على المقترح الجزائري القاضي بتخصيص الدورة القادمة للمجلس لمناقشة مسألة حقوق الإنسان على ضوء الإختطافات الإرهابية واحتجاز الرهائن ودفع الفدية، مما سيجعل اللائحة الأممية رقم 19 – 04 التي بادرت بها الجزائر وصادق عليها مجلس الأمن، تأخد الصبغة الإلزامية. يبدو أن الجزائر التي خاضت حربا عسكرية وأمنية ضد فلول الجماعات الإرهابية المتوحشة قد انتقلت إلى الخطوة الثانية في مسار مكافحة الإرهاب الدولي، وذلك من خلال معركة دبلوماسية وقانونية داخل أجهزة منظمة الأممالمتحدة، فبعد نجاح المساعي الجزائرية في إقناع أعضاء مجلس الأمن الدولي بتبني قرار أممي يقضي بتجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية مقابل الإفراج عن الرهائن، لاحظت الحكومة الجزائرية رفض بعض الدول الغربية الإلتزام بمضمون اللائحة 19/04 التي تجرم دفع الفدية، فكان لزاما على دبلوماسيتها عدم الإستسلام للتراخي الغربي مهما كانت مبرراته. والواقع أن نقل الجزائر معركتها الدبلوماسية لمكافحة الإرهاب إلى أروقة المنظمة الأممية، يبرز مدى خطورة الموضوع على جهود مكافحة الإرهاب التي تقودها الجزائر منذ أزيد من عقد من الزمن، فضلا عن انعكاسات دفع الفدية على الأمن الوطني والإقليمي، فحسب الخبير الجزائري في شؤون الجماعات الإرهابية إلياس بوكراع فإن الجماعات الإرهابية تكون قد حصدت أزيد من 100 مليون دولار من أموال الفدية في السنوات الأخيرة، وهذا يعني أن الفدية أضحت تشكل موردا رئيسيا للنشاطات الإرهابية في الساحل الإفريقي. وقد ساهمت كل من إسبانيا، المانيا، النمسا، سويسرا، فرنسا والسويد في تمويل الجماعات الإرهابية من خلال الفدية، عكس بريطانيا التي رفضت دفع الفدية مقابل الإفراج عن رهينتها لدى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وبرأي الدبلوماسيين الجزائريين، فإن موضوع الفدية يجب أن يؤخد مأخد الجد بالنظر إلى إنعكاساته على جهود مكافحة الإرهاب، فكثيرا ما كانت أموال الفدية عاملا أساسيا في استمرار نشاط التنظيمات الإرهابية التي وصلت في كثير من الأحيان إلى حالة من التفكك والتشرذم بفضل الحصار المضروب عليها من قبل قوات الجيش الشعبي الوطني والمصالح المختصة التي تمكنت من تجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية، وأيضا من خلال تفكيك جماعات الدعم والإسناد، غير أن الإشكال الذي تواجهه الجزائر ودول الساحل الإفريقي المنضوية تحت لواء القيادة المشتركة العملياتية لمكافحة الإرهاب في الساحل يكمن في تدخل الدول الغربية، سواء من خلال مفاوضاتها مع الجماعات الإرهابية أو عن طريق دفع الفدية أو بالضغط على دول المنطقة، مثلما حصل مع موريتانيا ومالي اللتين تعرضتا إلى ضغوطات ومساومات فرنسية رهيبة من أجل إطلاق إرهابيين مطلوبين من دول المنطقة، مما قلص من مساحة محاربة الإرهاب في الساحل. ولعل اللقاء الأخير الذي نظمته فرنسا بباماكو وضم خبراء الدول الثماني الكبرى ومالي وموريتانيا والنيجر وقاطعته الجزائر، يشكل وجها من وجوه التدخل الغربي في المنطقة، ولكن على حساب الجهود الإقليمية الناجعة لمحاربة ظاهرة أصبحت عابرة للقارات. وتأمل الدبلوماسية الجزائرية أن يصل أعضاء مجلس حقوق الإنسان الأممي في دورتهم القادمة، إلى قرار إلزامي أو استحداث آلية قانونية بشأن مسألة الفدية، باعتبارها أحد المرتكزات التي يقوم عليها النشاط الإرهابي في أشكاله الجديدة.