لم يتردد الرئيس بوتفليقة في الاعتراف بوجود مطالب سياسية تطرح في المرحلة الراهنة، وقد جاءت القرارات التي أعلن عنها عقب انعقاد مجلس الوزراء الخميس الماضي لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة يتم فيها التصدي للقضايا السياسية التي تأجلت بفعل التركيز على معالجة الآثار الأمنية والاقتصادية للأزمة التي عصفت بالجزائر. تجاوز بوتفليقة قادة التحالف الرئاسي الذين رفضوا الحديث عن أي مطالب سياسية بعد الاحتجاجات الأخيرة، وأشار بجرأة إلى واقع الحال بالقول إن "كل واحد سجل من جهة أخرى التعليقات والتحليلات أو حتى المطالب ذات الصبغة السياسية التي تم الجهر بها مؤخرا. إن التعبير عنها على تنوعه جدير بالاحترام من حيث إننا في بلد تسود فيه ديمقراطية تعددية تم افتداؤها بقدر باهظ من التضحيات الوطنية"، وقد خصص بوتفليقة جزء من تدخله أمام مجلس الوزراء للجانب السياسي وجاءت الإعلان عن قرارات للتكفل بهذا الجانب وعلى رأسها تكليف الحكومة بإعداد نصوص قانونية تضمن مكافحة الإرهاب بنفس الفاعلية لرفع حالة الطوارئ في أقرب الآجال. ويمثل التصدي لهذه القضية خطوة مهمة على مسار معالجة الآثار السياسية للأزمة، ولعل تذكير بوتفليقة بالجهود التي بذلت من أجل استعادة السلم والاستقرار أولا، ولإعادة تنشيط الاقتصاد الوطني ثانيا، يحمل إشارة إلى الأولويات التي يجب التعامل معها أولا بأول، فرفع حالة الطوارئ لم يكن ممكنا دون تحقيق الاستقرار الأمني، وقد بقي هذا المطلب حاضرا في الخطاب السياسي للمعارضة، وحتى إن كان هناك إجماع على أن حالة الطوارئ لم تؤثر كثيرا على الحريات الفردية والجماعية فإنها بقيت من الناحية الرمزية عائقا يحول دون العودة إلى الوضع الطبيعي وأكثر من هذا فإنه يمكن استعمال القوانين التي تفرضها حالة الطوارئ لتقييد الحريات. لم يخف الرئيس السبب الذي جعله يلجأ إلى رفع حالة الطوارئ فقد قال " من ثمة ومن أجل وضع حد لأي جدال غير مؤسس حول هذه المسألة أكلف الحكومة بأن تنكب فورا على صياغة النصوص المواتية التي ستتيح للدولة مواصلة مكافحة الإرهاب إلى النهاية بنفس الفعالية وفي إطار القانون. وبالتالي سيؤدي ذلك إلى رفع حالة الطوارئ في أقرب الآجال" ، وهذا يعني أن القصد هو إخراج هذه المسألة من سوق المزايدة السياسية، خاصة وأن الاحتجاجات الأخيرة فتحت الباب أمام أكثر من طرف سياسي للسعي إلى استغلال الوضع والدعوة إلى النزول إلى الشارع من أجل مقارعة السلطة والمطالبة بمزيد من الحريات. الجانب الآخر الذي يجري التركيز عليه هو دعوة وسائل الإعلام العمومية إلى الانفتاح على الأحزاب السياسية وهو الأمر الذي بدأ فعلا في اليوم الموالي عندما تضمنت نشرة الثامنة في التلفزيون تقارير إخبارية عن نشاطات بعض أحزاب المعارضة ومن ضمنها الموقف من القرارات المتخذة في مجلس الوزراء الأخير وأهمها رفع حالة الطوارئ، ومن شأن هذا الانفتاح أن يمتص كثيرا من التوتر الذي يخلفه استئثار الصحافة الخاصة بتقديم مواقف المعارضة، غير أن الأمر قد يتطلب مزيدا من الخطوات الجريئة على المستويين السياسي والإعلامي، فالمعلوم أن مطلب تحرير قطاع الإعلام السمعي البصري بقي مطروحا بجدية منذ سنوات، وقد قال الرئيس إنه لا يرى الوقت مناسبا للإقدام على هذه الخطوة لأن الاستقرار لا يزال هشا واحتمالات الانزلاق نحو الأزمة مجددا لا تزال مطروحة، وهو الأمر الذي ذكر به مجددا عندما طالب وسائل الإعلام العمومية بالانفتاح على الأحزاب والجمعيات حيث قال "يتعين على الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية المعتمدة أن تراعي على الخصوص أحكام الدستور والقوانين المتصلة بالنشاط السياسي، ذلك أن الحرية لا يمكنها أن تفضي بأي حال من الأحوال إلى الانزلاقات والفوضى التي سبق للجزائر أن دفعت ثمنها باهظا"، وهذا الهاجس الأمني يبدو أنه لا يزال قائما حتى بعد اتخاذ قرار برفع حالة الطوارئ في القريب العاجل. بوادر هذا الانفتاح السياسي المدروس والتدريجي لاحت منذ وقت غير قصير، فقد أفاد محمد السعيد رئيس حركة الحرية والعدالة أن وزير الداخلية دحو ولد قابلية وعده بمنح الاعتماد لحزبه، الذي أسسه قبل عامين من الآن، خلال شهر مارس القادم، وقبل هذا ذكر نائب الوزير الأول يزيد زرهوني عندما كان وزيرا للداخلية أنه لا وجود لقرار سياسي بحظر اعتماد أحزاب سياسية جديدة، وهو ما فهم على أنه بداية مرحلة جديدة بعد أن كان بوتفليقة قد أبدى عدم حماسه لاعتماد مزيد من الأحزاب.