حقق حزب جبهة التحرير الوطني خلال السنوات الخمس الماضية عديد من المكاسب السياسية والانتخابية محافظا على موقعه كقوة سياسية أولى في البلاد، وفي مقدمة هذه المكاسب التي تحسب لقيادة الحزب العتيد التي يرأسها عبد العزيز بلخادم كسب معركة تعديل الدستور والحفاظ على الأغلبية البرلمانية التي يحوزها الحزب منذ سنة 2002، إلى جانب المساهمة في إنجاح ميثاق السلم والمصالحة الوطنية وتحقيق الفوز الكاسح للرئيس بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. تميزت العهدة المنقضية لقيادة الحزب العتيد المنبثقة عن المؤتمر الجامع بحراك سياسي على أكثر من صعيد وعلى أكثر من جبهة، منها ما يتعلق بمبادرة الرئيس بوتفليقة لإحلال السلم والمصالحة الوطنية لطي صفحة الأزمة الأمنية والسياسية التي عصفت بالبلاد والتكفل بضحايا المأساة الوطنية، كما خاضت قيادة الأفلان معركة سياسية للمطالبة بتعديل الدستور وترشيح الرئيس بوتفليقة الرئيس الشرفي للحزب لعهدة رئاسية ثالثة. كما قادت أمانة الهيئة التنفيذية وعلى رأسها الأمين العام عبد العزيز بلخادم الحزب العتيد لخوض عدة استحقاقات انتخابية ورفعت رهان الحفاظ على الأغلبية التي يتمتع بها الحزب في المجالس المنتخبة نيابية كانت أو محلية، كما كانت في مقدمة الصفوف في رئاسيات 2009 وتولت قيادة التحالف الرئاسي والتنظيمات الجمعوية الموالية له لخوض الحملة الانتخابية لصالح الرئيس بوتفليقة. الأفلان يقود قاطرة السلم والمصالحة الوطنية لا يختلف اثنان حول الدور الذي لعبه حزب جبهة التحرير الوطني في الترويج لمسعى المصالحة الوطنية والعمل على إنجاح ميثاق السلم والمصالحة الذي أعلن عنه الرئيس بوتفليقة في جويلية 2005، فبمجرد الإعلان عن مشروع الميثاق دخل الحزب العتيد في حملة واسعة لشرح بنوده وإقناع المواطنين بالتصويت لصالح طي صفحة الأزمة والتكفل بضحايا المأساة الوطنية من أجل التطلع للمستقبل، حاملا على عاتقه رهان كسب تأييد الأغلبية المطلقة للميثاق في استفتاء 29 سبتمبر 2005. ولم تكن الحملة التي خاضها الحزب العتيد والتي قادها الأمين العام عبد العزيز بلخادم بنفسه وجاب من خلالها أغلب مناطق الوطن من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها ولم يستثن حتى النائية منها وأثمرت تصويت تجاوز 97 بالمائة لصالح الميثاق، مزايدة سياسية أو لحاق بالركب مثلما كان الحال بالنسبة لبعض التشكيلات السياسية، وإنما تعكس هذه الحملة مواقف الحزب ومبادئه فقد كان من السباقين للدعوة إلى المصالحة الوطنية والإيمان بها كحل وحيد للأزمة الوطنية في وقت كان الحديث عن الحديث عن المصالحة أشبه بالكفر السياسي. وإدراكا منه بدور الأفلان في إنجاح مشروع السلم والمصالحة الوطنية وحرصا منه على ضمان التطبيق الدقيق والكامل للبنود الواردة في الميثاق، بادر الرئيس بوتفليقة بعد أسابيع قليلة على صدور المراسيم التطبيقية لميثاق السلم والمصالحة الوطنية على إجراء تعديل على رأس الجهاز التنفيذي وتعيين الأمين العام للأفلان عبد العزيز بلخادم على رأس الحكومة ليشرف بنفسه على تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. رهان الاستحقاقات الانتخابية: الأفلان يعزز مكانته بأغلبية مطلقة في مجلس الأمة واجهت قيادة الأفلان في العهدة المنقضية عدة اختبارات سياسية وشعبية وكانت أمام تحد كبير وهو الحفاظ على مكتسبات الحزب السياسية ومكانته في الساحة الوطنية، وكان أول هذه الاختبارات وأهمه حينذاك هي انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة في ديسمبر 2006. ورغم الظرف الذي كان يمر به الحزب العتيد آنذاك وانشغال القيادة المنبثقة عن المؤتمر الجامع بإعادة ترتيب البيت الأفلاني وتجديد الهياكل القاعدية وتسوية الخلافات على مستوى المحافظات والقسمات بين المناضلين لطي صفحة الجناحين ورص صفوف المناضلين مجددا إلا أنها نجحت في الوقت نفسه في التحضير الجيد لانتخابات الغرفة البرلمانية العليا، ونجح الأفلان في إحراز الفوز وحصد العدد الأكبر من المقاعد وهو ما مكنه ولأول مرة منذ إنشاء هذه الهيئة التشريعية في 1997 من الأغلبية المطلقة في مجلس الأمة وهي الأغلبية التي نجح في الحفاظ عليها في الموعد الموالي الذي جرى في ديسمبر 2009. وإلى جانب افتكاك الأفلان الأغلبية من غريمه الأرندي في مجلس الأمة، كان أمام قيادة الحزب العتيد رهان آخر وتحد لا يقل أهمية وهو الحفاظ على الأغلبية التي يحوزها في المجلس الشعبي الوطني وفي المجالس البلدية والولائية منذ استحقاقات 2002، وخاض الأفلان المعركة الانتخابية التشريعية في ماي 2007 ونجح الحزب في حصد 136 مقعدا وهو العدد الذي ارتفع لاحقا ليتجاوز 160 مقعدا بعد انضمام عددا من النواب القادمين من تشكيلات سياسية أخرى إلى كتلة الحزب العتيد لا سيما من حزب العمال ومن كتلة النواب الأحرار، مقابل 61 مقعدا لملاحقه المباشر التجمع الوطني الديمقراطي. وحافظ الحزب العتيد بفضل هذه النتائج على مكانته كقوة سياسية أولى في البلاد من حيث التمثيل الشعبي ومن حيث التمثيل في المجالس المنتخبة لا سيما بعد النتائج المحصل عليها في الانتخابات المحلية التي جرت في نوفمبر 2007، والتي تمكن فيها من حصد ما يزيد عن 30 بالمائة من المقاعد في المجالس المحلية والولائية. وسيكون أمام القيادة المقبلة للحزب العتيد التي ستنبثق عن المؤتمر التاسع رهان انتخابي آخر وهو التحضير للانتخابات التشريعية المنتظرة بعد 24 شهرا والحفاظ على مكاسب الحزب السياسية والانتخابية. قيادة الأفلان تكسب رهاني تعديل الدستور والعهدة الثالثة مما لا شك فيه أن تعديل دستور 1996 كان من أهم المعارك السياسية الني خاضها الأفلان منذ المؤتمر الجامع ونجح في كسب رهانها، فقد كان من المبادرين بالدعوة إلى ضرورة مراجعة الدستور الذي اعتبره دستور أزمة فرضته ظروف سياسية آنذاك، وهي الخطوة التي انتقدتها بعض التشكيلات السياسية واعتبرتها لا تحظى بالأولوية، ولم يجار الأفلان هذه الانتقادات بل ذهب أبعد في مسعاه عندما شكل فوج عمل كلفته قيادة الحزب بإعداد مسودة تتضمن التعديلات التي يقترح الحزب إدخالها على الدستور وهي المسودة التي رفعها الأمين العام للأفلان عبد العزيز بلخادم إلى رئيس الجمهورية والتي كانت مرفقة بالدعوات التي رفعها مناضلو الحزب وإطاراته في أكثر من مناسبة للرئيس بوتفليقة من أجل الترشح لعهدة رئاسية جديدة. وكان إعلان بوتفليقة في افتتاحه السنة القضائية سنة 2008 عن تعديل الدستور نصرا سياسيا آخر يحرزه الحزب العتيد على خصومه وشركائه السياسيين على حد سواء، فلم يجد أغلبهم حرجا من التراجع عن مواقفه السابقة والسير في فلك الأفلان ومباركة مبادرة بوتفليقة بتعديل الدستور وفتح العهدة الرئاسية. ومرة أخرى وجدت قيادة الأفلان نفسها في مقدمة الصفوف ومطالبة بقيادة القاطرة في رئاسيات 2009، خاصة وأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو الرئيس الشرفي للحزب العتيد وهذا الأخير كان من المبادرين والسباقين لترشيحه لعهدة ثالثة، فضلا عن كون الأفلان آنذاك يتولى الرئاسة الدورية للتحالف الرئاسي، وتحمل على عاتقه التنسيق بين الأحزاب الثلاث من جهة والتنظيمات الجمعوية والثورية التي التحقت بالتحالف في تأييد ترشح بوتفليقة لعهدة جديدة وهو التحالف الذي أطلق عليه آنذاك اسم 3+8. ولم تكن بالمهمة السهلة تسيير عمل 11 تنظيما سياسيا وجمعويا وتوزيع الأدوار بين اطارته وقياداته خوض الحملة الانتخابية لصالح بوتفليقة من جهة وخوض حملة لتحسيس الناخبين بضرورة الذهاب إلى صناديق الاقتراع وكسر هاجس المقاطعة من جهة ثانية، وقد كان الحزب العتيد باعتراف الكثيرين أهم المساهمين في صنع الفوز الكبير الذي حققه الرئيس بوتفليقة في رئاسيات أفريل 2009. التحالف الرئاسي: إجماع على تطبيق برنامج الرئيس بوتفليقة خاض الحزب العتيد تجربة التحالف مع حزبي التجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم عشية رئاسيات 2004، في ظرف عصيب في أوج الأزمة التي عصفت بالحزب آنذاك، ورغم أن التوقيع على عقد التحالف كان من قبل جناح واحد في الحزب والذي كان يعرف آنذاك بجناح التصحيحين فإن القيادة المنبثقة عن المؤتمر الجامع قررت الاستمرار في التحالف الذي يعد تجربة رائدة في الممارسة السياسية في الجزائر. وقد ظل التحالف الرئاسي وطيلة 6 سنوات من عمر التجربة حريصا على تطبيق برنامج رئيس الجمهورية سواء على مستوى الجهاز التنفيذي أو على الصعيد التشريعي في البرلمان، رغم الاختلافات التي تظهر بين أقطابه في بعض الأحيان حول قضايا معينة، لأن التحالف ومثلما كان الاتفاق عليه لا يعني الانصهار في حزب واحد أو تخلي كل حزب عن مبادئه ومنطلقاته الإيديولوجية وإنما التنسيق المشترك لضمان تطبيق برنامج رئيس الجمهورية.