لم تنتظر جبهة القوى الاشتراكية طويلا لتعلن رفضها المشاركة في مسيرة دعت إليها منظمات التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية يوم التاسع من شهر فيفري القادم، وجاء هذا الموقف منسجما مع انتقاد حزب آيت أحمد لخطوة الأرسيدي الذي دعا إلى مسيرة في العاصمة أول أمس، وتعكس هذه الخلافات الانقسام المزمن الذي يعانيه ما يسمى التيار الديمقراطي في الجزائر رغم الاتفاق الحاصل على مطالب رفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح الموقوفين في الاحتجاجات الأخيرة والدعوة إلى انفتاح سياسي وإعلامي فإن أحزاب المعارضة لم تبلغ درجة الانسجام التي تسمح لها بتشكيل كتلة سياسية قادرة على تجنيد الشارع أو على جمع عدد مقبول من المتعاطفين، فقد أكدت محاولة تنظيم مسيرة بالعاصمة أول أمس أن التحركات الجارية حاليا لا تنال ثقة معظم الأحزاب المعارضة، وقد أشار الأفافاس صراحة إلى اعتقاده بأن الهدف الذي تحرك من أجله الأرسيدي هو البحث عن موقع سياسي تحسبا للانتخابات المقبلة، وأكثر من هذا لم تلب أي من أحزاب المعارضة دعوة الأرسيدي إلى السير وهو ما عجل بفشل المبادرة، وهو المصير المتوقع لتحركات مماثلة يجري الإعداد لها. السبب الأول لانعدام الثقة بين أحزاب المعارضة، وما يسمى بأحزاب التيار الديمقراطي خاصة، يعود إلى صراع قديم على زعامة هذا التيار منذ بداية التعددية، وقد حدث الانشقاق الأهم مع بداية التسعينيات عندما تباينت المواقف من قضية وقف المسار الانتخابي، فقد اختار الأرسيدي أن يقف إلى جانب القرار في حين فضل الأفافاس أن يتحالف مع أحزاب إسلامية معارضة، ومنذ ذلك الحين بقي الطرفان يتبادلان التهم، وبقيت الدعوة إلى توحيد الصفوف بدون استجابة، بل أكثر من هذا اعتبرت الخلافات بين هذه الأطراف أكبر من أن تسمح بتشكيل قطب "ديمقراطي" كما يسميه أنصاره. زيادة على الخلافات الداخلية برزت ظاهرة تحالف أحزاب هذا التيار مع تيارات أخرى، فقد فضل حزب العمال طريق المشاركة في المؤسسات من خلال الانتخابات، وتحالف في حالات محددة مع أحزاب من التحالف الرئاسي كما حدث أثناء انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة التي جرت قبل عام من الآن عندما تم الإعلان عن تحالف بين التجمع الوطني الديمقراطي وحزب العمال، وفي مقابل هذا كان الأفافاس قد تحالف مع الإسلاميين الرافضين لأي شكل من أشكال المشاركة في الحكم، في حين اختار سعيد سعدي طريق المشاركة في الحكومة سنة 1999 قبل أن ينسحب سنة 2001 في ذروة أزمة منطقة القبائل، ولم يفلح حزب سعيد سعدي إلى حد الآن في استرجاع موقعه ضمن صف المعارضة رغم مبالغته في تبني خطاب متشدد تجاه السلطة يصل في أحيان كثيرة إلى التهجم على رموز الدولة والمساس بالأشخاص، أما الأحزاب الأخرى مثل الحركة الديمقراطية الاجتماعية فقد دخلت في مرحلة من العجز غيبتها بشكل كامل عن الساحة السياسية. على مستوى آخر شهدت أحزاب مثل الأرسيدي انقسامات داخلية شديدة أثارت جدلا حول غياب الديمقراطية داخل الأحزاب التي تعاني من تسلط القادة الذين يرفضون التخلي عن الزعامة وبقائهم في مناصبهم لفترة تفوق العقدين من الزمن، وهو أمر ينقض بشكل جوهري الخطاب السياسي لهؤلاء الذي يقوم على المطالبة بالديمقراطية والتداول على السلطة، وهذه الصورة لبعض الأحزاب أثرت سلبا على موقف الشارع الذي يتعامل بلامبالاة واضحة مع الدعوات المتكرر إلى التظاهر، وقد كان الفشل الذي منيت به مسيرة أول أمس تأكيدا لهذا الموقف. الأحزاب التي لم تشارك في المسيرة التي دعا إليها سعيد سعدي يبدو أنها تتشكك في نوايا الأرسيدي الذي استعجل هذه الخطوة من أجل استغلال الظروف الناجمة عن الاحتجاجات الأخيرة وكذا الأجواء السائدة في تونس والتي جعلت أضواء الخارج مسلطة على منطقة المغرب العربي، ومن هنا اعتبرت أحزاب المعارضة أن خطوة الأرسيدي هي محاولة أخرى لتزعم المعارضة، وما عزز هذا الاعتقاد هو أن سعدي لم يستشر أحدا عندما اتخذ قراره بل أراد أن يبدأ ويدفع الآخرين إلى السير خلفه بقوة الشارع، وهو أمر ترفضه أحزاب أخرى ترى نفسها أحق بقيادة المعارضة باعتبار ثبات مواقفها من جهة ولقوة تمثيلها للشارع من جهة أخرى. الابتعاد عن الأرسيدي له سبب آخر غير معلن، فالحزب لا يحظى بشعبية كبيرة وهو ما يجعل مشاركته في أي مسيرة سببا مباشرا لفشلها، ومن هنا ترفض أحزاب المعارضة تقاسم أي نشاط سياسي مع هذا الحزب لأن ذلك يعني تقاسم الجميع للهزيمة المحققة، كما أن التردد في تنظيم المسيرات يخفي القراءة الحقيقية للوضع القائم في البلاد، فالأحزاب المعارضة تبدو مقتنعة تماما بعدم وجود حماس لدى الجزائريين للمشاركة في أي نشاط سياسي في الظرف الحالي، وأن الاحتجاجات الأخيرة كانت ذات طابع اجتماعي محض ويصعب استغلالها سياسيا، ومن هنا سيجد الأرسيدي نفسه محاطا بمجموعة أحزاب مجهرية لا وجود لها على الأرض وليس لديها ما تخسره، وسيكون خياره هو اللجوء ككل مرة إلى عمليات استعراضية تفسح له مجال الحديث في وسائل الإعلام الأجنبية والتي من خلالها يجدد الدعوة للغرب بالتعجيل بالتدخل لتغيير الوضع القائم في الجزائر، وهي دعوة تزيده بعدا عن الشارع الجزائري وتضعف قدرته على التأثير.