انضمت بريطانيا أمس الأحد بمقاتلاتها إلى التحالف العسكري الدولي ضد نظام العقيد معمر القذافي، في حين توجهت حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول إلى الشواطئ الليبية. ويأتي ذلك بينما استهدفت غارات بحرية وجوية السبت وفجر أمس مواقع بليبيا بينها أماكن إقامة القذافي. وقالت وزارة الدفاع البريطانية الأحد إن طائرات حربية بريطانية استهدفت أنظمة الدفاع الجوي الليبي في غارات ليلية تركزت أساسا حول العاصمة طرابلس. وقال الميجر جنرال جون لوريمر المتحدث باسم وزارة الدفاع للصحفيين "كان نظام دفاع جويا متكاملا في ليبيا. أغلبية الأهداف كانت في منطقة طرابلس". وأعلن مصدر عسكري أن حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول التي تبحر إلى ليبيا للمشاركة في العمليات الجوية غادرت أمس الأحد، مرفأ تولون، جنوبفرنسا. وأوضح المصدر أن حاملة الطائرات تبعد مسافة 24 ساعة بحرا عن السواحل الليبية لكنها تحتاج إلى ما بين 36 و48 ساعة لوصولها وهو الوقت الذي تحتاجه لتحميل الطائرات المطاردة التي ستشارك في العمليات وبعض تمارين الهبوط". وقال أن الحاملة ستنقل نحو 15 طائرة معظمها طائرات «رافال» وكذلك طائرات «سوبر اتندار» الأقدم منها. وسترافق باكورة البحرية الفرنسية فرقاطتان إحداهما مضادة للغواصات والثانية مضادة للطائرات، وسفينة الإمداد «لا موز»، وغواصة نووية هجومية. روسيا والصين تتأسفان وشافيز يكيل التهم للغرب وتوالت الردود الدولية على بدء العمليات العسكرية ضد النظام الليبي حيث أعربت الصين وروسيا عن أسفهما حيال هذا القرار واعتبرته فنزويلا محاولة للسيطرة على الثروة النفطية الليبية، في حين نأت دول أخرى بنفسها عن المشاركة رغم تأييدها السياسي للعمليات العسكرية. فقد أبدت الخارجية الصينية أسفها حيال بدء تنفيذ قرار العمليات العسكرية ضد نظام العقيد معمر القذافي وأعربت عن أملها أن لا يؤدي هذا الصراع إلى تصعيد الأوضاع على نحو يفضي إلى مزيد من الخسائر البشرية. وشددت الخارجية الصينية في بيان رسمي صدر أمس الأحد على ضرورة إعادة الأمن والاستقرار في ليبيا بأسرع وقت ممكن. يشار إلى أن الصين أحجمت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على القرار رقم 1973 القاضي بفرض حظر جوي على ليبيا تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يجيز استخدام القوة العسكرية إذا شكلت دولة ما تهديدا للأمن والسلم العالميين. وفي السياق نفسه أعلنت العديد من الدول موقفا متحفظا حيال الأوضاع المستجدة في الأزمة الليبية ومنها روسيا التي وصفت بدء العمليات بالأمر المؤسف منتقدة ما أسمته "تسرع مجلس الأمن في اتخاذ القرار"، علما بأن روسيا -العضو الدائم في مجلس الأمن- كانت قد أحجمت عن التصويت على القرار. وفي الوقت الذي طالبت فيه قبرص بتحييدها عن الصراع العسكري رغم تأييدها السياسي للموقف الغربي، انفرد الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز بموقف خاص عندما اتهم الغرب بالسعي للسيطرة على الموارد النفطية الليبية عبر قراره التدخل عسكريا واتهم الأممالمتحدة بالانحراف عن مبادئها الأساسية التي قامت عليها. قنابل تسقط قرب «باب العزيزية» وسُمعت في طرابلس فجر أمس أصواتُ المدافع المضادة للطائرات، تبعتها انفجارات وأصوات مدافع رشاشة حسب ما نقلته رويترز. وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إن قنابل سقطت قرب مقر القذافي في باب العزيزية. وطال القصف أيضا قاعدة المعيتيقة شرق طرابلس، في وقت تحدث فيه مراسل فضائية «الجزيرة» عن غارة على الكلية العسكرية قرب مصراتة (نحو 200 كلم شرق طرابلس). وقالت السلطات الليبية إن 48 مدنيا قتلوا في الغارات، وقال التلفزيون الرسمي إن مئات الليبيين قصدوا مواقع قد تقصَف ليكونوا دروعا بشرية ومنها مقر إقامة القذافي في طرابلس. وقال مدير هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الأميرال «بيل غورتني» إن الضربات الصاروخية تركزت في الغرب واستهدفت دفاعاتِ أرض/جو، ومورِس خلالها تشويش على هذه الأنظمة التي تعتبر "قديمة، لكنها متكاملة وناجعة". وقال إنه في هذه المرحلة لم تشارك قوات أمريكية على الأرض، ولم تسهم الطائرات في الجهد العسكري، لكن الضربات الصاروخية تهيئ الوضع ليشارك سلاح الجو في تطبيق حظر الطيران. ورفض «غورتني» مناقشة الخطط المستقبلية، واكتفى بالقول إن بلاده لن تستخدم قوة تتجاوز حماية المدنيين في هذه العمليات. القذافي يتوعد الغرب وقد تحدثت فرنسا عن هجوم سيتسارع، لكنها رفضت تحديد سقف زمني له، واكتفى وزير خارجيتها «آلان جوبيه» بالقول إنه سيستمر حتى يذعن النظام الليبي لقرار مجلس الأمن، وهو قرار بات لاغيا حسب القذافي الذي أعلن فتح مخازن السلاح أمام كل الليبيين. وحددت فرنسا الأهداف بمراكز القيادة ومخازن السلاح والطائرات والقوات البرية المتحركة والمطارات. وأكد العقيد معمر القذافي في تسجيل صوتي بثه التلفزيون الحكومي أمس الأحد غداة بدء العملية العسكرية للتحالف أنه سينتصر داعيا الغرب إلى "مراجعة حساباته والتراجع". وقال القذافي أن "المهاجمين مهزومون (...) نحن لن نتراجع أبدا، ولن نموت.. أنتم ستموتون وسنبقى إحياء وننتصر". وأضاف "أنتم بإمكانكم أن تتراجعوا وتنسحبوا وتذهبوا إلى بلدانكم وقواعدكم لكن نحن هذه أرضنا (...) أنتم بإمكانكم أن تراجعوا حساباتكم وترجعون". من جهة أخرى، أكد القذافي أنه لن يترك الغرب يتمتع بنفط ليبيا، مشددا على أن التحالف الذي بدأ هجومه السبت "سيسقط كما سقط هتلر ونابوليون وموسوليني". وقال أن "الليبيين على استعداد للاستشهاد"، موضحا "نحن نوزع السلاح على الشعب الليبي كله (...) وكل من يتعاون مع الحلف الصليبي سيتم القضاء عليه في بنغازي وأي مكان آخر". أكبر تدخل عسكري في العالم العربي بعد احتلال العراق لم يرد الجيش الأمريكي المثقل بأعباء ضخمة بعد نحو عشر سنوات من الحرب أن يكون واجهة لضربة ينفذها التحالف في دولة عربية أخرى. لكن بعد ساعات من إطلاق السفن الحربية والغواصات الأمريكية وابلا من صواريخ توماهوك كروز على ليبيا لم يعد السؤال الأهم في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" هو ما إذا كانت الولاياتالمتحدة في الصدارة بالفعل وإنما متى قد تسلم مقاليد الأمور لأحد الحلفاء. صحيح أن طائرات حربية فرنسية هي التي نفذت الغارات الجوية الأولى على ليبيا وشاركت قوات بريطانية وانضمت غواصة بريطانية للولايات المتحدة في إطلاق صواريخ كروز على الساحل الليبي... لكن البنتاغون اعترف بأن الهجوم على ليبيا وهو أكبر تدخل عسكري في العالم العربي منذ احتلال العراق عام 2003 تصدرته الولاياتالمتحدة في البداية. وقالت قطر إنها ستشارك ومن المتوقع أن يشارك حلفاء عرب آخرون. وتنفيذ المهمة ببطء ليس خيارا مطروحا بالنسبة للولايات المتحدة. وهي تواجه قتالا شرسا في أفغانستان ومازالت تعمل على إنهاء عملياتها بالعراق وتشارك في عملية إغاثة ضخمة في اليابان التي ضربها زلزال عنيف. وتواجه الدول العربية في المنطقة اضطرابات غير مسبوقة. طائرات قطرية وإمارتيه وسعودية تشارك في الحظر أعلن السفير البريطاني في باريس السير بيتر ويستماكوت أمس الأحد عن مشاركة طائرات قطرية وسعودية وإماراتية في فرض الحظر الجوي على ليبيا. وقال ويستماكوت في مقابلة مع إذاعة «أوروبا 1» الفرنسية إن على الدول العربية المشاركة في العمليات العسكرية مشيراً إلى أن مجلس الأمن تمكن من إصدار هذا القرار بفضل دعوة جامعة الدول العربية لفرض الحظر. ونقلت الإذاعة عنه قوله إن طائرات قطرية وسعودية وإماراتية تشارك في العمليات. وأشار إلى أن العمليات التي يشنها التحالف الدولي ضد ليبيا "ليست بحرب" بل عملية عسكرية ضرورية لحماية المدنيين. وأوضح "من الجانب البريطاني ليست بحري بل عملية عسكرية ضرورية لضمان احترام موجبات مجلس الأمن الدولي بالكامل مع شركائنا الفرنسيين والأمريكيين والإيطاليين والعرب وغيرهم". وقال إن قرار مجلس الأمن لم يحظر التدخل العسكري لقوات على الأرض، على عكس "الاحتلال العسكري من قبل قوات أجنبية". وكان التحالف الدولي بقيادة فرنسا وبريطانيا والولاياتالمتحدة، وبمشاركة دول عربية، قد بدأ السبت بقصف مواقع في ليبيا، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي الذي قضى بفرض حظر جوي على ليبيا لحماية المدنيين. ماذا تريد باريس ولندن من طرابلس القذافي؟ طرحت «مجلة تايم» عدة تساؤلات عن العوامل التي دفعت بريطانيا وفرنسا إلى قيادة الدفة في التعبئة ضد نظام العقيد معمر القذافي وتنفيذ قرار مجلس الأمن 1973، الذي يقضي بفرض حظر جوي واتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين. ومن ضمن التساؤلات: هل ما يحدث في ليبيا من تدخل دولي مباشر يصب في مصلحة بريطانيا وفرنسا؟ وتشير إلى أنه إذا كان الأمر يتعلق بالأسباب التجارية، فإن ليبيا تملك النفط والغاز ولكن ذلك لا يمثل أكثر من 2% من احتياطات العالم. وتتساءل المجلة.. أهي الهجرة؟ لتقول إن عدم الاستقرار في المغرب العربي ربما يحدث تدفقا للمهاجرين نحو الشمال (أوروبا)، ولكن من الصعب التصور أن يكون هناك أزمة لاجئين لا يمكن التحكم بها في شمال أفريقيا إذا ما استمر القذافي في السلطة، ولا سيما أن البحر المتوسط واسع وليس مجرد حدود يمكن العبور منها بسهولة. وإذا كان الأمر يتعلق بالتاريخ، في إشارة إلى ما تصفه المجلة من جرائم القذافي مثل طائرة لوكربي، فلا أحد يشير –رغم بشاعة تلك الجرائم- إلى أن ذاكرة الحكومتين البريطانية والفرنسية تشكل سببا للذهاب إلى الحرب. نيكولا ساركوزي يلمع صورته بدخان الحرب وتعليقا على ما يقال من أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ذهب إلى هذه الحرب لإصلاح الصورة التي أفسدته مواقفه من الثورة في تونس في العالم العربي، تقول المجلة إن التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا ليس مضمونا ولا يحظى بشعبية في أوساط العرب، حتى لدى المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية. وردا على ما يعتقده البعض بأن تصرف هذين البلدين نابع من شعورهما بأن التاريخ يوحي لهما بأنهما ما زالا قوتين عظيمتين، تشير تايم إلى أن كلا من بريطانيا وفرنسا دولتان ديمقراطيتان ولا يحظى التدخل العسكري بشعبية لدى الناخبين. أما السببان اللذان ترجحهما المجلة، فهما الاعتقاد الحقيقي لدى الحكومتين بأنه في الوقت الذي تشكل فيه الولاياتالمتحدة عجلة التوازن في العالم، فإنها لا تستطيع أن تقوم بكل شيء ولا ينبغي مطالبتها بذلك، وأن العالم سيكون أكثر أمنا إذا ما ساهمت الديمقراطيات الأخرى في مساعدة الولاياتالمتحدة لتنفيذ العبء الدبلوماسي والعسكري لضمان الاستقرار العالمي. والسبب الثاني أن الحكومتين أدانتا مجابهة القذافي المتظاهرين قبل أسابيع، ولكن عدم القيام بشيء مع اقتراب القذافي من الانتصار في هذه الحرب ربما يكون قرارا في حد ذاته يظهر ضعف أولئك الذين طالبوه بالرحيل. أوباما في غرفة القيادة الخلفية من جانبها تفسر صحيفة لوس أنجلوس تايمز بقاء الرئيس باراك أوباما في الساحة الخلفية من الأزمة الليبية بالرغبة في اتخاذ المقعد الخلفي في هذه المسألة برمتها، نظرا لعجزه –كما يقول البعض- عن كبح القمع للمظاهرات في البحرين والسعودية واليمن. وتشير الصحيفة إلى أن أوباما جنح عن السبيل الذي يتخذه الرؤساء الأمريكيون عند الذهاب إلى الحرب: العمل الافتتاحي يفترض أن يميز الرئيس الذي يجلس بهيبة في البيت الأبيض، يوضح الأسباب ويحدد الأهداف ويتكلم بنبرة قاسية. فأوباما لم يعلن حتى بداية الحرب، وترك ذلك لوزيرة خارجيته هيلاري كلينتون في باريس، في حين أنه ظهر في العاصمة البرازيلية التي لم تصوت لصالح التدخل العسكري في ليبيا. وفي مقام آخر، عزت لوس أنجلوس تايمز دفع ساركوزي نحو التدخل في ليبيا إلى مسعى منه لاستعادة شعبيته التي بلغت أدنى مستوياتها في فرنسا، وأشارت إلى أنه في حاجة ماسة إلى تعزيز موقفه السياسي، ولا سيما مع اقتراب الانتخابات. ونقلت عن دبلوماسي لم تسمه الصحيفة قوله "إذا ما جرى كل شيء كما يرام، فإن ذلك سيكون نصرا عظيما وسيظهره بأنه الرجل المناسب في الأزمات". وقالت إن ساركوزي قرر أن لا يبدو هامشيا في المسألة الليبية بعد أن "أخطأ التصرف" بشأن ثورة تونس، واتخذ المعقد الخلفي في الثورة الشعبية المصرية.