(تابع) طول عمري ..بل طول مصيبتي و أنا أحمل هم ولدي أنور كان وردة و أخذ يذبل مع مر الزمان ..كان قلبي يتيه في أزمنة العجز وولدي الوحيد يفقد شهوة الحياة ..تأكد لي أمام العجوز خديجة أن مصيبتي نعمة و تساءلت ماذا لو كان لي ثلاثة أبناء كما لها و رأيتهم ينحدرون نحو السقوط ..؟ لم أقدر على الجواب إلى كلمة للعجوز خديجة لخصت أسئلتي و فاضت بحيرتي ... ارمي حِملَكَ على ربي يا وليدي ... وضعت يدها على يدي ..شعرت أن القدر بعثني إليها لتسلبني همي ..قلت في صوت خافت داخلي ..سبحان الله .. قلت لها : عمتي خديجة ..لماذا لا تضعين أبناءك في ملجأ للأيتام ..وهناك سيجدون لك بيتا لرعاية أبناءك .. قالت و ابتسامة الخلاص صارت ضحكة بسيطة .. يْهَنِيك ربي يا وليدي ، لو تساعدني .. اتصلت ببعض الأصدقاء ..و تم التكفل بها و بأبنائها ..لأعود إلى المنزل فأجد زوجتي تنتظرني بشغف ...جرَّتني من يدي إلى غرفة الصبي و قالت أنظر إليه ..منذ ساعة واحدة و أنا أنظر إليه في دهشة ..إنه يتحرك ..يحبو ..دبت في جسد قوة غربية ..اقتربت منه و نظرت إليه و بعض دموع الفرح تثور بعنف و نظرت إلى السماء لأعيد كلمات العمة خديجة : رب خير ..رب خير ... هذا الزمن الذي فقدنا إنسانيتا تعثرنا فيه على عتبات الكراهية و الحقد ..أتراه قدرنا نحن الجزائريون أن نحب بعضنا إلى حد الكره ..أستغرب كثيرا أن يحب الإنسان أخاه إلى حد قتله ..هي لعنة قديمة حين كان يقتل الرجل ابنته حبا فيها و عشقا مخافة أن يدنسها أنصاف الرجال ...و أنت أيها الصديق لا أنصحك بشيء سوي أن تكون إنسانا و أنت تروي للناس تاريخا كان أشبه بالحلم ...لا أريد منك أن تكون أكثر من هذا الأستاذ الذي نسي همه لأجل مصيبة غيره ..هكذا نحن طول عمرنا نعطي الآخرين دون أن ننظر لأنفسنا .. **** كانت لهذا القاوري بنت تسمي "فرنشيسكا"، لم ألتفت إليها يوما، لم أتنفس جسدها لحظة، و لم أكن أعلم أنها تتخطفني النظر كلما دخلت بيتهم، كنت عندهم معادلا للعمل فحسب، أستنفذ طاقتي كالحمار في أعمال ترهق الحيوان. صار كوري الأحصنة مكاني الذي أمضي فيه جل وقتي أتغزل بأجساد الخيول العربية الأصيلة ... لتبدأ قصة أخري .... كنت وحدي في الإسطبل لما دخلت فرنشيسكا ...رهبة شديدة انتابتني وخوف عظيم داولته تفكيري وأسئلة كثيرة حامت رأسي ...أخذتني الحيرة من سلوكها هذا كل مأخذ .. كيف يعقل لها أن تحضر إلى هذا المكان القذر؟.. هكذا كانت تسميه .. لم أجرؤ على رفع عيناي في وجهها ...بل جعلت أتتبع خيالها المطروح أمامي لم أتوقع أن تقدم على مثل هذا العمل الشنيع، لا يجوز لها أن تخالط رعاع الناس كما كانوا يسموننا ..مما زاد في تعقيد الموقف أنها أخذت تنظر إلي و تبتسم و تقترب مني و تدنو على بطأ... لم أعرها اهتماما بل انهمكت في رصف التبن... بدأت أطرح أسئلة الضعفاء .. تراها لماذا أتت إلى هذا المكان و في هذا الوقت ؟ كنت لحظتها منهمكا مع نفسي أطرح ضعفي و كانت هي ترمقني بنظرات عجيبة، لم أستطع أن أنظر إليها بل كنت فقط أهرب بنظراتي ... خفت أن تتّهمني بشيء.. فيطردني والدها من عملي، لذلك التزمت الصمت بمعنى : درت روحي معلابليش بها .. إتَّكَأَتْ على عرصة في بهو الإسطبل و راحت تزيدني نظراتها قهرا و ريبة كدت انفجر كالأحمق احمرارا من الخجل .. مكثت ما طاب لها من المقام ثم ختمتها بأن اقتربت مني أكثر و جعلت تحدق بغرابة في ظهري المكشوف ثم دنت أكثر ثم أكثر لتنصرف خارجة لأقع أنا من رهبة الموقف ... لماذا تراها كانت تنظر لي بهذا الشكل؟ أكانت تحتقرني ، لا ..لا أعتقد ..إنها كانت تشفق علي ....لا أظن.. بل كانت نظراتها متبوعة بابتسامة عريضة ، لم تكن أبدا تزدريني ... وهمت في أسئلة لا أول لها ولا آخر... عشت تلك الليلة تجربة غريبة ... لا أدري لماذا خفق قلبي من رحم المستحيل.. ابتسمتُ لتلك النزوات وبدأت أكتشف إنسانيتي الهاربة ، شبابي الضائع ..اكتشفت رجولتي العذراء.. يتبع