خرجت الدورة الأخيرة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني بعلامات استفهام كبرى أكثر ما انتهت إلى تبني حلول قد تجنّب «الأفلان» أزمة عاصفة في قادم الأشهر. ورغم إصرار قيادته على نفي وجود أي خلاف أو انشقاق فإن الإجماع حاصل، ولو بتكتم، على أن الأمين العام «عبد العزيز بلخادم» رمى ب«قنابل موقوتة» إلى القواعد النضالية في هذه المرحلة بالذات. ليس هناك أدنى اختلاف داخل بيت جبهة التحرير الوطني، من قيادات ومناضلين، بأن الحزب أصبح يتخبّط حقيقة في متناقضات مواقفه خلال السنوات الأخيرة، وقد أخطأ من يعتقد بأن مشاكل «الأفلان» قد طويت نهائيا بمجرّد انعقاد المؤتمر الجامع في 2005، بل إن القناعة غالبة على أن الجبهة تدفع الآن ثمن مواقفها غير المستقرة في السنوات الأخيرة بخصوص الكثير من الملفات، إلى درجة أصبح فيها عدد الخارجين عن بيت الطاعة في تزايد أمام اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. والواقع أن خلافات «الأفلان» وعدم وجود توافق بشأن ملفات الإصلاح، وفي مقدمتها تعديل الدستور، ظهرت بوضوح قبل أسبوع بعد أن عجزت دورة اللجنة المركزية في إيجاد «مخرج مشرّف» يُبعد الحزب العتيد عن أي جدل عاصف، وبدا من كلام «عبد العزيز بلخادم» رفض بالإقرار بالفشل. ولكن في نهاية الأمر وجد القياديون مخرجا اعتبرته الكثير من القراءات تغذية لبداية مرحلة جديدة من الانشقاقات داخل هذا الحزب الذي لم يعرف الاستقرار منذ العام 2003، فكانت «الوصفة السحرية» أن تقرّر إنزال بعض الجوانب المفصلية من الإصلاحات السياسية إلى مكاتب المحافظات والقسمات. الورطة التي وقعت فيها قيادة «الأفلان» لا تنحصر فقط في قضية عدم الإجماع على تحديد العهدات الرئاسية أو الإبقاء عليها مفتوحة، حيث كان بالإمكان الحسم فيها بالتصويت عن طريق رفع الأيدي من بين 350 عضوا من اللجنة المركزية وفق ما يقرّه النظام الداخلي، وإنما هي أبعد وأكثر من ذلك، فالحديث يدور عن تردّد وترقّب بسبب غموض موقف الرئيس «عبد العزيز بوتفليقة»، الرئيس الشرفي للحزب، من ملف الإصلاح الأساسي وهو الدستور، ولكن أيضا عن التسويق لخطاب للاستهلاك العام طيلة السنوات الماضية. الغريب في أمر جبهة التحرير الوطني أنها كانت السبّاقة إلى تبني الإصلاحات، وكانت أيضا التشكيلة السياسية الأولى التي بادرت إلى تنصيب أفواج عمل تتكفل بالملفات المطروحة حاليا للنقاش، وفي مقابل ذلك كانت من أسوء الأحزاب التي عرضت الاقتراحات على هيئة المشاورات، باعتبارها قدّمت تصوّرات أقرب إلى السطحية باستثناء ما تعلّق منها بإصلاح قطاع الإعلام، وهو ما يكشف أن كل ما تحدّث عنه «عبد العزيز بلخادم» في الفترة الماضية لم يكن سوى خطاب دعائي برزت عيوبه مع أول امتحان يمرّ به حزبه. وعندما تتحدّث قيادة الحزب العتيد عن العودة إلى القواعد النضالية لاستشارتها تُطرح أكثر من علامة استفهام عن جدوى وتوقيت هذه الإحالة إلى القسمات والمحافظات، ما يعني أن القواعد النضالية لم تكن موجودة في السنوات التي انقضت ولم تكن محور استشارة بالأساس، وهذه كذلك علامة تدلّ على أن «الأفلان» يمرّ بوضع غير صحّي ستكون له تداعيات ثقيلة في المرحلة المقبلة، وليس مستبعدا في سياق هذا الحراك أن تنطلي المشاكل والنزاعات على مستوى القيادة لتصبّ مزيدا من الزيت على النار في أوساط المناضلين المتذمرين أصلا من تدهور وضع حزبهم. فاستمرار الوضع على ما هو عليه سوف لن يخدم الحزب العتيد في شيء خصوصا وأن حزب الأغلبية البرلمانية، وإذا حصل وحدثت إصلاحات عميقة وكانت هناك ضمانات إضافية ملموسة بأن تجرى الانتخابات التشريعية والمحلية المقبلة في شفافية يكون فيها الصندوق هو الحاسم، فإن مصير «الأفلان» لن يكون بين مناضليه، وهو بالتالي مهدّد بخسارة مواقعه إن لم يتجاوز مرحلة التشتّت التي لا يبدو أن موعدها قريب.