الوضعية التي وصل إليها حزب جبهة التحرير الوطني بإعلان قيادات توصف بأنها «بارزة» تمرّدها وما قابلها من حالة التململ التي عرفها «الحزب العتيد» منذ مدة ليست بقصيرة، كانت غير مُستبعدة وقد ظهرت تبعاتها بشكل واضح خلال أشغال المؤتمر التاسع، وزيادة على إزاحة بعض الأسماء «الثقيلة» من الهيئات القيادية فإن المواقف التي أبداها الأمين العام «عبد العزيز بلخادم» كان لها أبلغ الأثر في ظهور «التصحيحيين الجدد». بالعودة إلى الماضي القريب لحزب جبهة التحرير الوطني يتضح بأن هياكله وقيادته لم تعرف الاستقرار منذ سقوط الأمين العام السابق «علي بن فليس» عقب هزيمته في رئاسيات 2004، وعلى الرغم من سياسة الاحتواء التي انتهجها ابن الأفلان وأمينه العام الحالي «عبد العزيز بلخادم» من أجل إنهاء صراع الجناحين غير أن ذلك لم يضع حدّا لحالة الشرخ التي عادت إلى الواجهة في تشريعيات 2004، ثم تعزّزت أكثر أثناء التحضير للمؤتمر التاسع المنعقد نهاية شهر مارس من العام الحالي. والواقع أن عجز القيادة الحالية للحزب العتيد في حلّ الخلافات برزت بشكل واضح في عملية تجديد الهياكل التي راوحت مكانها وفشل معها موفدو القيادة في إقناع المناضلين بضرورة تغليب المصلحة الحزبية على حساب المصالح الشخصية، وليس أدلّ على هذا الشرخ غير المسبوق أكثر من إقدام الأمين العام الحالي على إعطاء تعليمات بضرورة انتخاب أعضاء القسمات والمحافظات بأي شكل حتى وإن تطلّب الأمر اللجوء إلى خيار غير ديمقراطي وهو «التعيين» بخلاف ما هو معمول به في القانون الأساسي للحزب ونظامه الداخلي. وحتى وإن كان الصراع الدائر داخل بيت الأفلان تُحرّكه مصالح شخصية مرتبطة بالأساس بإعادة التموقع بين «الإخوة الأعداء» فإنه من الضروري الإشارة إلى بعض النقاط التي ساهمت في ظهور هذا النزاع إلى العلن ويتضح أن من يقف وراء «التصحيحيين الجُدد» هم في الحقيقة كانوا إلى وقت غير بعيد «الذراع الأيمن» للأمين العام «المغضوب عليه» من أمثال «صالح قوجيل» و«عبد الكريم عبادة» و«عبد الرزاق بوحارة» و«عبد القادر بونكراف».. الذين كانوا جميعهم يحظون بثقة «بلخادم» الذي سبق وأن عيّنهم في أمانة الهيئة التنفيذية وزكّاهم على رأس قوائم تشريعيات 2007 باستثناء «بوحارة». وبقدر ما لا يُمكن نفي وجود الكثير من التراكمات السياسية التي أوصلت «الحزب العتيد» إلى الوضع المُتأزّم الذي هو عليه الآن، فإن هناك عوامل غذّت حالة التململ من القاعدة وصولا إلى القمة، ولو أن القيادات المتمرّدة على سياسة «بلخادم» عرفت اختيار التوقيت المناسب لإعلان نهاية الولاء، وهي الصراعات التي أفرزتها عملية تجديد الهياكل التي تحوّلت بموجبها القسمات والمحافظات إلى ساحات حرب وعراك ليست بغريبة عن الأفلان، ولو أن هذا الواقع لا ينفي أيضا وجود بعض الأخطاء التي ارتكبها «عبد العزيز بلخادم» نفسه منذ المؤتمر الأخير. وعندما يخرج وزير التكوين والتعليم المهنيين، «الهادي خالدي»، ويفتح النار على مسؤوله الأوّل في الحزب بذلك الشكل فإن الأمر يعني بأن الصراع قد وصل مرحلة «اللارجوع»، ويبدو أن للموقف علاقة مباشرة بعدم قبول قرارات «بلخادم» خاصة فيما يتصل بتشكيلة المكتب السياسي التي أثارت الكثير من الانتقادات مثلما حصل تماما في قضية انتخاب أعضاء اللجنة المركزية وتعيين الغالبية الكبرى منها من طرف الأمين العام الذي حصل على صلاحيات أوسع بموجب التعديلات التي خرج بها مؤتمر مارس 2009. وبالرغم من تصريحات الأمين العام للأفلان التي يؤكد فيها بأنه لا خوف على حزبه وأن ما يحدث هو «مجرّد مؤامرات تحرّكها أهداف شخصية» على أساس أن أعين مناوئيه على استحقاقات 2014، فإن الرجل يعلم بالمقابل بأن «حزب الأغلبية» ليس على ما يُرام، وهو بموجب ذلك مطالب بمراجعة خياراته لأن المستهدف الأوّل من هذه «الحركة التصحيحية الجديدة» هو رأس «بلخادم» الذي تنتظره مُهمة «شبه مستحلية» لإعادة رصّ الصفوف واجتياز عاصفة «خريف الغضب» بسلام.