الجزائر أمام فرصة تاريخية لإحداث إصلاح عميق بعيدا عن الجدل الدائر حول بُعد المسافة الفاصلة بين الاقتراحات التي قدّمتها الأحزاب ومختلف الأطراف التي شاركت في المشاورات وكذا السقف الذي يُحدّده النظام من أجل تبني الإصلاحات، يرى الناطق الرسمي باسم حزب العمال، «جلول جودي»، أنه من السابق لأوانه الحكم على نجاح أو فشل هذه الإصلاحات إلى حين تتضّح معالمها، ويؤكد في هذا الحديث الذي خصّ به «الأيام» أنه لا يجب على الجزائر أن تُضيع هذه «الفرصة التاريخية» لاعتماد إصلاح سياسي عميق بغضّ النظر عن مواقف الأطراف التي قرّرت المقاطعة. حزب العمال كان من بين أولى التشكيلات السياسية التي شاركت في المشاورات حول الإصلاحات، وقد عاد بعد ذلك لتقديم بعض التحفظات بشأن عمل الهيئة المكلّفة بإدارة هذه المشاورات. لماذا شاركتم وكيف كان انطباعكم الأخير عقب شهر كامل من استشارة مختلف الفاعلين في الساحة السياسية؟
لا بدّ من التوضيح أنه لم نقدّم أية تحفظات بشأن مشاركتنا في المشاورات السياسية، ولكن الحاصل أن حزب العمال كان من بين الأحزاب التي دعت إلى المسارعة بإقرار إصلاحات سياسية مباشرة عقب التدابير التي جاء بها قانون المالية التكميلي 2009 ومن بعده قانون المالية لسنة 2010، ويعود ذلك بالأساس إلى قناعتنا أن الإصلاحات الاقتصادية التي أقرتها الحكومة كانت بحاجة إلى تدابير تكميلية على المستوى السياسي التي بشكل يجعل من الخطوات الجريئة التي اتخذت على الصعيد الاقتصادي أكثر قوة ونجاعة. لهذه الأسباب قبلنا وقرّرنا المشاركة في المشاورات السياسية، وسبق أن وجهنا رسالة إلى رئيس الجمهورية طالبنا فيها بضرورة الذهاب نحو تنظيم انتخابات تشريعية مسبقة قبل تعديل الدستور، وانتخاب برلمان جديد لأن البرلمان لحالي، في اعتقادنا، لا يُمثل حقيقة إرادة الشعب، وهو الأمر الذي طرحناه في الوثيقة التي سلّمناها إلى هيئة المشاورات مؤخرا، كما دعونا أيضا إلى انتخاب مجلس تأسيسي يضمن الانتقال إلى ديمقراطية حقيقية وإصلاح سياسي فعلي، فالتجارب التي مرت بها البلاد تدفعنا، أكثر من أي وقت مضى، إلى وجوب تبني مثل هذه الخيارات التي نبقى نتمسك بها في حزب العمال.
أنتم في حزب العمال قبلتم المشاركة في المشاورات، في حين أن شخصيات وأحزابا فضّلت عدم اتخاذ خطوة من هذا القبيل. إلى أي مدى يُمكن أن يُؤثر غياب الكثير من الوجوه المحسوبة على المعارضة على مصداقية الإصلاحات التي من المنتظر الخروج بها في المرحلة المقبلة؟
لن أبالغ إذا قلت بأننا اليوم أمام مرحلة حاسمة تمرّ بها البلاد، والمطلوب الآن هو الأخذ بعين الاعتبار لكل التطورات الأخيرة من خلال العمل على تحقيق خطوة جريئة نحو الديمقراطية الحقيقية التي تلبي طموحات الجزائريين. لدينا قناعة راسخة بأن ذلك يُمكن أن يتجسّد بخيار المجلس التأسيسي الذي توكل له مهمة الإعداد لدستور جديد يؤسّس بدوره لمرحلة جديدة من الممارسة الديمقراطية الفعلية في بلادنا. وعليه لا يجب تفويت الفرصة مرة أخرى، بأي شكل من الأشكال، من أجل تجسيد الإصلاحات التي لم تتحقق طيلة الفترة الماضية، فنحن نريد الوصول إلى ديمقراطية تحمي مصالح الشعب، وفي حال حدث العكس فإننا سنذهب نحو المجهول ونكون بذلك قد أسقطنا فرصة تاريخية سنحت بين أيدينا في مثل هذا الظرف الحسّاس، بل إننا سنكون أمام مصير ومستقبل لا يُحمد عقباه على الإطلاق. وبالتالي فإن المطلوب هواستخلاص الدروس من التجارب السابقة باتخاذ القرارات الصائبة التي من شأنها إيصال البلاد إلى برّ الأمان وتجنيبنا الدخول في الفوضى.
لكنني لم أحصل إجابة واضحة على سؤالي، وهذا يدفعني إلى إعادة طرحه بصيغة أخرى: هل تعتقدون أن المقاطعة هي السبيل الأمثل والخيار الأفضل للضغط على النظام ودفعه من أجل تبني إصلاحات عميقة وحقيقية مثلما حرصتم على التأكيد عليه؟
نحن نحترم موقف كل الأحزاب سواء تلك التي قبلت المشاركة في المشاورات أو تلك التي قرّرت المقاطعة، لكننا في حزب العمال نعتقد بكل قناعة أن الوضع السياسي الراهن في البلاد يفرض علينا مسؤولية كبيرة ينبغي علينا جميعا تحمّلها، وهو الأمر الذي جعلنا نقدّم الاقتراحات التي نراها مناسبة لتجاوز الوضع. فالإصلاحات المطلوبة لا يجب أن تكون ترقيعية وإنما يتوجب أن تضمن انتقال الجزائر إلى مرحلة جديدة من الديمقراطية الحقيقية، كما أريد الإشارة هنا إلى أنه من المبكّر والسابق لأوانه إطلاق أحكام قبلية حول نجاح عمل هيئة المشاورات أو حتى فشله، سننتظر ما سيتم الخروج به من قرارات في المرحلة المقبلة وعندها سنحكم على مدى تلبية مطالب الشعب ومختلف الفاعلين في الساحة السياسية. أقولها مرة أخرى بأننا نتحمّل مسؤولياتنا ونشدّد على خيار فتح حوار حقيقي وتجسيد الإصلاحات التي ستوصلنا إلى برّ الأمان بشكل يكون فيها الجزائريون أسيادا في اختيار من يرونهم الأقدر والأجدر بقيادة البلاد وبمن يرونهم الأنسب في تمثيلهم على مستوى المؤسسات التشريعية.
هناك أفكار كثيرة سُلّمت إلى هيئة المشاورات حول الإصلاحات السياسية، ووصفت غالبيتها ب «الاقتراحات الجريئة»، وأمام بُعد المسافة الفاصلة بين هذه التصوّرات وعدم وضوح الصورة فيما يرغب فيه النظام، ألا ترون بأنه من الصعوبة بمكان تحقيق التوافق الوطني حول الحدّ الأقصى من سقف الإصلاح؟
من أجل تحقيق التوافق الذي تتحدّثون عنه لا بدّ من أن نُحدّد ما نريده بوضوح من الإصلاحات السياسية الجاري التحضير لها، وبحسب ما وقفنا عليه من اقتراحات فإنه إذا أردنا فعلا تكريس الديمقراطية بكل أبعادها فإن النظام البرلماني سيكون الأنسب لأنه يعكس في نهاية المطاف حكم الشعب وقراره السيّد، ومن بعدها انتخاب مجلس تأسيسي تكون له صلاحيات مراقبة عمل الحكومة بشكل مؤقت وكذا تسيير شؤون البلاد إلى حين إعداد دستور جديد يضمن الحريات ويُجسّد التطلعات نحو المستقبل. ولذلك أجدّد التأكيد بأن الحكم على المشاورات التي شاركنا فيها سيكون بهذا الميزان وبغير ذلك نكون عمليا لم نغتنم هذه الفرصة التي أتيحت أمامنا. وبخصوص الأطراف التي تتهجم علينا عندما نطالب بالمجلس التأسيسي نقول إن هذا المجلس ليس غولا نخوّف به أو نخاف منه بهذا الشكل الذي يحاول البعض تصويره، إنما الواقع أن يكون بداية نحو الإصلاح الحقيقي المنشود.
على ضوء ما تقدّم، هل يُمكن التسليم بأن عمل هيئة المشاورات يتجاوز بكثير مطلب البعض بعقد ندوة وطنية على شاكلة ما حصل في أعقاب الأزمة التي عرفتها البلاد بعد توقيف المسار الانتخابي؟
صحيح أن هناك من دافع عن خيار الذهاب نحو عقد ندوة وطنية تكون أكثر شمولية من عمل هيئة المشاورات، ولكن نحن في حزب لدينا تحفظات بشأن ذلك على أساس أن النقاش الحقيقي يجب أن يُفتح على المستوى الشعبي وليس بتنظيم ندوة وطنية، وأكثر من ذلك فإن التجارب التي مررنا بها في وقت سابق كان مآلها الفشل الذريع وبالتالي لا جدوى من هذا الخيار، فالخيّار الحقيقي هو خيار الشعب. وهناك من يدعو إلى نشر تقرير هيئة المشاورات أمام الرأي العام لتقديم ضمانات حول جدية السلطة حيال الإصلاحات، وهنا لا أملك أي تعليق سوى التأكيد على أن هذه الخطوة تبقى في صميم عمل الهيئة وهي سيّدة، أما نحن فإننا ننتظر ما سيتم اعتماده من إصلاحات ومن ثم نحكم عليها.