أُطلق على هيئة المشاورات لبن صالح عدة نعوت وأوصاف، منها أنها مجرد صندوق بريد أو أنها هيئة مشاورة وليس استشارة، وهو ما جعل المشاركين يتمسكون بحججهم والمقاطعون مستمرون في التوجس من السلطة وعدم الثقة في إصلاحاتها. وتعد الفترة القادمة امتحانا عسيرا للسلطة لأنها مطالبة بإخراج الحي من الميت وليس فقط رسائل من صندوق البريد وإقناع الداخل والخارج بإصلاح ديمقراطي فوق كل الشبهات. إصلاحات الجزائر بين ثورات الجيران وضغوط الخارج لا مفر من فكّي الكماشة إلاّ بالديمقراطية لم تترك الثورات في منطقة شمال إفريقيا والتغييرات الدستورية في الجارة المغرب، أي هامش أمام السلطة في الجزائر، للهروب إلى الإمام وتحويل الإصلاحات السياسية إلى مجرد ذر للرماد في الأعين. وبقدر ما حاولت السلطة ربح الوقت، بقدر ما وجدت نفسها بين فكي كماشة، الجيران أمامها والخارج وراءها، فأين المفر؟ رغم أن الدستور المغربي الذي أعلن محمد السادس عن بعض محتوياته، لا يمثل نقلة نوعية في ''الديمقراطية''، باعتراف المغاربة أنفسهم، ومنهم حركة 20 فيفري التي واصلت الاحتجاج في الشارع، إلا أن مجرد الإعلان عنه وبرمجته للاستفتاء في الشهر الداخل، أحرج السلطة في الجزائر على أكثر من صعيد وأدخلها في لعبة الحسابات لتحضير نسخة التعديل الدستوري المبرمج في 2012، تكون أكثر ديمقراطية مما قدمته السلطة الملكية. وبالرغم من احتفاظ محمد السادس بالكثير من الصلاحيات، خصوصا في مجال التعيينات واتخاذ القرارات، فإن مجرد ''تنازله'' عن بعض الصلاحيات لفائدة الوزير الأول وكذا البرلمان وترسيمه للغة الأمازيغية في الدستور، من شأنه أن يدفع السلطة في الجزائر لإعادة النظر في كيفية توزيع الصلاحيات ب''عدل'' بين الرئاسة، والحكومة والبرلمان، وخلق مؤسسات دستورية فعلية وليس مجرد واجهة فقط. من جانب آخر، تشكّل ردود الفعل التي أعقبت الإعلان عن الإصلاحات الدستورية في المغرب، والتي قالت عنها واشنطن أنها ''متحمسة للمقترحات المعلن عنها من طرف الملك''، واعتبرها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ب''التقدم الهام''، ضغطا إضافيا آخر على كاهل السلطة في الجزائر التي أضحى ينظر إليها على أنها بقيت وحيدة معزولة عما يجري من ثورات إصلاحية في منطقة شمال إفريقيا بعد الذي جرى في تونس ومصر، وهو ما يعني أن السلطة ''تعرت'' ولم تعد تستطيع التخفي وراء أي نظام ديكتاتوري في المنطقة، مثلما كانت تتحجج في السابق لتبرير رفض المبادرة أو القيام بإصلاحات ديمقراطية. هذه المعطيات تفرض على رئيس الجمهورية ضرورة رفع ''سقف'' الإصلاحات لتفادي ردود فعل غاضبة في الداخل والخارج. للتاريخ مقترحات الأحزاب والشخصيات للإصلاحات السياسية ستعكف هيئة بن صالح في المدة الفاصلة عن نهاية شهر جوان على إعداد تقريرها النهائي الذي ستسلمه الى رئيس الجمهورية، مثلما هو مطلوب منها، يتضمن مجمل الاقتراحات والمواقف المعبر عنها، خصوصا من طرف الأحزاب والشخصيات والمنظمات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني، بخصوص تعديل الدستور ومراجعة قوانين الأحزاب والانتخابات والجمعيات والإعلام وتمثيل المرأة وحالات التنافي للعهدة البرلمانية. وذكر بن صالح أن ''السلطة ستلتزم بالمقترحات التي تقدمها الأحزاب السياسية. موضحا ''المصدر الوحيد للتعديلات الدستورية والتشريعية المقبلة هو جملة المقترحات والآراء والتحاليل والتعاليق التي ستعبّر عنها الأحزاب السياسية في المشاورات. على النقيض المشارك محمد السعيد ل''الخبر'' ''المعارضة ليست تهريجا وإنما مواقف مسؤولة'' أنت تنتمي للمعارضة وشاركت في المشاورات، بينما قاطعتها أحزاب وشخصيات المعارضة، ألا تعتقد بأن موقفك يشذ عن القاعدة؟ - أين هي هذه المعارضة الحزبية التي دافعت عن حق المواطنين في إنشاء أحزاب سياسية أو نقابات مستقلة، بالرغم من النداءات التي وجهت إليها؟ أين هي المعارضة الحزبية التي لم تشارك حتى الآن في السلطة، سواء في الحكومة أو البرلمان أو البلديات؟ المعارضة في رأيي ليست تهريجا أو دغدغة للعواطف وإنما مواقف مسؤولة واضحة تأخذ بالممكن وتتطلع إلى الأفضل بروح واقعية وتوافقية.. أعتقد أننا نفتقد إلى ثقافة المعارضة كما تفتقد السلطة إلى ثقافة الدولة. وأنا فعلا في المعارضة. وفي إعلان تأسيس حزب الحرية والعدالة قلنا أن هذا حزب في المعارضة ونتعامل مع السلطة على هذا الأساس. ولكن المعارضة كما أتصورها ليست تلك التي ترفض كل شيء بصفة تلقائية. ألا تخشى أن توصف بأنك زكيت مسعى قد يظهر في النهاية أنه كان لربح الوقت؟ - أي عمل سياسي ينطوي على هامش معين من المخاطرة والذكاء يفرض على الرجل السياسي في حالة كهذه، أن يقدّر هذه المخاطرة. فأنا خاطرت لشعوري بأن البلاد بحاجة إلى رأي كل أبنائها. ما رأيك في الأسباب التي ساقها مقاطعو المشاورات لتفسير رفض دعوة هيئة بن صالح؟ - كنت أتمنى أن يشارك الجميع في المشاورات، خاصة بعض الأحزاب المعتمدة، حتى تكون الحجة على السلطة لا عليها. وفي اعتقادي يوجد داخل السلطة من يتمنى توسيع دائرة المقاطعة لهذه المشاورات، حتى تظهر السلطة أمام الرأي العام بوجه الديمقراطي الراغب في الحوار مع كل الأطياف، وبالتالي تلقي بتهمة رفض الحوار على المعارضة لا على نفسها وتتصرف كما تريد في الاصلاحات، والحجة تكون حينها إلى جانبها. المقاطع عبد الله جاب الله ل''الخبر'' ''السلطة اعتدت على حق الأمة بلجوئها للاستشارة بدل الشورى'' قاطعت المشاورات السياسية، ألا ترى بأنك ضيّعت منبرا يتيح لك نقل مواقفك لأعلى هرم في السلطة؟ - تحتاج الجزائر إلى إصلاحات شاملة وعميقة تستجيب لتطلعات الأمة، ومثل هذه الإصلاحات لا تتحقق بالاستشارة، لأن الاستشارة فعل غير ملزم، وإنما تتحقق بالشورى لأنها فعل ملزم وهو ما دعونا إليه. لكن النظام قرر تنظيم استشارة، لذلك رفضت قبول الدعوة التي وجهت لي. فالسلطة التنفيذية في نظام ديمقراطي، صحيح ملزمة بأخذ رأي الأمة في جميع المواضيع ذات الشأن العام، وإذا لم تفعل ذلك ولجأت إلى الاستشارة تكون قد اعتدت على حق الأمة. وثانيا إن الشورى أو النزول عند حجية مبدأ الأغلبية حق وظيفي، وهذا يعني أن الواجب هو تنظيم الشورى والنزول عند قرار الأغلبية وليس الاستشارة. وثالثا: العلاقة بين السلطة والشعب في الدساتير الديمقراطية سياسية وقانونية، ترتب التزامات متبادلة، ولكن السلطة في الواقع تمارس الإقصاء لشرائح واسعة. السلطة دُفعت إلى إجراءات إصلاحات مرغمة، هل تشاطر هذه المعاينة؟ - هذا أسلوبها في العمل منذ أن بدأت الأزمة، وفي منظورها هي تجد أن أسلوبها الذي اعتمدته قد نجحت فيه لأن معيار النجاح عندها هو مدى قدرتها على الاستمرار في الحكم. ولا يخفى على أحد أن هذا المنظور هو منطق المتشبعين بروح الاستبداد ويتعارض مع الاصلاح الديمقراطي الذي تدعو إليه فئات واسعة من المجتمع. كيف تتصور الإخراج الذي ستكون عليه الإصلاحات خاصة تعديل الدستور؟ - هناك مقولة لدى رجال القانون أراها مفيدة في هذا الباب، وهي قولهم أن العبرة ليست في عدالة النص وإنما في عدالة القاضي. في عيون الإعلاميين صحفيون ملاحظون يعلقون على مشاورات هيئة بن صالح تهريج سياسي لم يكن له ضرورة وخطوة لا يجوز الحكم عليها الآن تتباين ملاحظات الصحفيين الذين غطوا المشاورات بين هيئة بن صالح والقوى السياسية والمنظمات والشخصيات، بين من يعتبرها تهريجا سياسيا لم تكن له ضرورة، ومن يعتبرها خطوة فارقة ومن السابق الحكم على جديتها، رغم التأثير السياسي لغياب بعض الشخصيات والأحزاب الثقيلة عن المشاورات. جمال فنينش- يومية ''البلاد'' - بعد تغطيته لشهر من المشاورات السياسية لاحظ الزميل جمال فنينش من يومية ''البلاد'' أن ''السلطة في بلادنا لم تتغير كثيرا في ممارسة البهرجة السياسية عن طريق اللجنة''. موضحا أن ذلك ''لا يخدم أجندة الإصلاح إن كانت النية حقيقية هي المضي في ذلك''، قبل أن يضيف: ''كانت تكفي دعوة الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات والنخب المثقفة والكفاءات العلمية لتقديم مساهمات مكتوبة ربحا للوقت والجهد والمال''. نادية بن آكلي - صحيفة ''لكسبريسيون'' - الزميلة نادية بن آكلي من صحيفة ''لكسبريسيون'' سجلت أن غياب الشخصيات الثقيلة وبعض الأحزاب الفاعلة في الساحة أثّر على نوعية ومصداقية المشاورات''. وقالت ''إذا كانت السلطة صادقة في فتح مشاورات سياسية، فإنه كان بودنا أن نرى القوى السياسية التي لها من الخبرة والوزن تشارك المشاورات لتعطي مسارا أكثر مصداقية''. وعلقت ''لا أقول أن حضور رئيس الفاف أو الفنانين وغيرهم لم يكن له علاقة بموضوع المشاورات، لكن هذا أعطى بعض الانطباع غير المقبول على المشاورات''. وأوضحت ''هناك فرق بين حوار وطني جامع تشارك فيه كل القوى وتطرح فيه كل القضايا وبين ومشاورات على مواضيع مخصصة ومحددة''. عبد الرزاق طاهير - صحيفة ''الأحرار'' - من جانبه، يرى الزميل عبد الرزاق طاهير من صحيفة ''الأحرار'' بأنه لا يمكن الحكم مسبقا على نجاح أو فشل المشاورات ''لأن هناك أفكار ومطالب مطروحة. وعلينا أن ننتظر الوقت من أجل الحكم عليها''، قبل أن يضيف: ''الآن دخلنا المرحلة الجدية والتي ستجيب على أسئلة كثيرة، وما هي المطالب التي ستنفّذ والإجراءات التي ستتخذ من قبل الرئيس بوتفليقة''. ثم أشار إلى أن ''المقاطعين ليس لهم تأثير، وإذا اعتمدت إصلاحات عميقة وفقا للسقف المطروح، فإن المقاطعين يكونون قد خسروا فرصة لتمرير تعديلات جوهرية''.