يحل علينا قريبا جدا شهر رمضان الكريم أعاده الله عليكم وعلينا بكل خير وبركة, وكعادة رمضان في كل عام ينشغل النّاس بالتحضير له على عدة جبهات وكأنه معركة عسكرية على وشك النشوب فعلى الصعيد اللوجيستي نشاهد عمليات نقل وتخزين لمؤونة كافية تشمل أنواع المواد الغذائية وبكميات كبيرة تفوق استهلاك الأسرة العادي بعدة مرات وعلى الصعيد الإداري نلاحظ الاستعدادات لتغيير ساعات الدوام والعمل(الكسل)... وعلى الصعيد الاقتصادي يستعد التجار لرفع أسعار سلعهم الاستهلاكية بنسب متفاوتة حسب نوع السلعة وأهميتها الاستراتيجية في موائد الإفطار وعلى الصعيد الإعلامي تستعد القنوات الفضائية لإطلاق مسلسلات رمضان وبرامجها المليئة بالهشك بشك والرقص والزنا والغناء والطرب, وعلى صعيد العلاقات الدولية يستعد أصحاب الكروش المتخمة للسفر إلى أوروبا في رمضان والإفطار هناك والتملص من رمضان على راحتهم على قاعدة إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا . كلّ هذه التّحضيرات المادية لشهر يفترض أن يكون أكثر أشهر السنة معنوية وأن ينفصل فيه الإنسان غريزته الحيوانية بكلّ أبعادها الغذائية والجنسية كي يتفرغ معنويا لعبادة الرحمن والتواصل النقي مع نفسه ومع ربه متمعنا في كل معاني الرسالة السماوية التي انعم بها الله على خلقه وأن يكون شهر رمضان فرصة للمسلم كي يتخلص من أي سلوكيات لا تليق به وبدينه وان ينسى الضغائن والكره وان يصل الرحم والاهم من كل ذلك أن يدرك معنى الحاجة والجوع والفقر فيهب لمد يد العون لأخيه الأقل حظا من مال الدنيا ويقتسم معه أو حتى يعطيه جزءا صغيرا مما تفضل الله به عليه . ولكن مع الأسف الشّديد تمكن المسلمين وبجدارة من تشويه معاني هذا الشّهر الفضيل فتحول إلى شهر الموائد والولائم الباذخة والتي يأكل فيها كل أكثر من طاقته ويرمى الباقي في سلات القمامة وبدلا أن يكون حالنا كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام "صوموا تصحوا" يرتفع معدل الكوليسترول والسكر في الدم ويزداد البدين بدانة ويزداد الفقير جوعا بسبب جشع التجار ورفعهم للأسعار والأنكى من ذلك أنك تجد أغلب الناس عابسين ووجهم مقلوبة وحالما تقول له شيئا طلب منك أن تبتعد عن وجهه لأنّه صائم ولا يطيق أحدا أو شيئا !! لهؤلاء أقول أن زيادة الأكل للتعويض عن فترة الصوم هو هراء محض فجسم الإنسان يحتوي على ذخيرة كافية من السعرات الحرارية وصيامك بضع ساعات لن ينقص منها إلا النّزر اليسير فلا حاجة لكل هذا التعويض وما يجب تعويضه حقا هو سوائل البدن وتحديدا عبر شرب الماء وليس البيبسي والكولا والعصير, و أمّا الجوع الذي تحسّ به فهو ليس جوعا حقيقيا ناجم عن نقص السعرات في البدن بل مجرد عادة غذائية تطلب فيها المعدة الطّعام في أوقات معينة من اليوم وتضغط على المخ كي يلبي طلبها عبر الإحساس الكاذب بالضعف والجوع . إمّا أن تسهر طول الليل على المسلسلات والبرامج الرمضانية ثم تقضي نهارك نائما لا تقوم بأي عمل أو أن تقل أدبك على خلق الله بحجة أنك صائم فتلك مصيبة أخرى لا أدري بم أصفها أو كيف أنصح من يفعلها. العبادة وحدة متكاملة من صلاة وصوم و أخلاق حسنة ولا يجوز أن نضحي بإحداها لأجل الأخرى ولا خير في صيام يرافقه إساءة الأدب لخلق الله وإهانتهم ولا خير في صيام يعقبه سياقة جنونية تعرض حياتك وحياة الآخرين للخطر لمجرد الوصول على وقت الإفطار. إن هذا الشّهر الفضيل هو فرصة ذهبية لك ولأسرتك للنّهل من ينابيع الرّحمة والاستحمام بمائها الرّقراق العذب من كلّ قذارات الذّنوب والمعاصي وأن تعود إلى فطرتك الأصلية التي خلقك الله بها طاهرا عابدا له وحده ولا تشقي نفسك بجعل رمضان معصية أخرى تضيفها إلى معاصيك وكم من مسلم لم ينله من صيامه إلا الجوع والعطش.وكل عام وأنتم بخير