شهدت معظم ولايات الوطن غداة أول أيام رمضان المبارك أمطاراً تراوحت بين غزيرة ومتوسطة وخفيفة تواصلت حتى نهاية الأسبوع الأول من الشهر الفضيل، ما أضفى على أجواء الصوم نكهة خاصة ومميزة كما يبدو هذا العام، لولا بعض المنغصات الطارئة التي يُخشى أن تقتل فرحة الصوم وتحيل أجواءه الروحانية إلى دعوات سخط على المسؤولين البداية من ولاية سكيكدة، حيث لا تحتاج الأجواء الرمضانية فيها هذه المرة خصوصاً إلى مزيد من الوصف، فالمدينة التي يسميها البعض ”لؤلؤة الشرق” اكتست مع حلول الصيف حلل الخضرة والجمال، ثم استقبلت أول أيام الشهر الفضيل بالأمطار والضباب وطوابير الغاز والخبز على حدٍ سواء، لكن السكيكديون وأعني بذلك الميسورين على وجه الخصوص لم يثنهم ارتفاع أسعار المواد الغذائية هذا العام وانعكاسات الأزمة المالية العالمية عن حشد طاقاتهم المالية والنفسية لاستقبال رمضان بموائد الإفطار المتنوعة والفاخرة المعهودة التي باتت سمة رمضانية بارزة لهذه المدينة الوديعة، مع تسجيل حدث استثنائي وهو عزوف سكان هذه الولاية الساحلية وخاصة الفقراء والمعوزين عن شراء واقتناء اللحوم الهندية رغم أن أسعارها في المتناول نوعًا ما. وفي حين بدت مشكلة الانقطاعات المتكررة للكهرباء وانعدام مادة الغاز المنزلي وارتفاع أسعار الخبز وندرته وأزمة حليب الأكياس أبرز منغصات الأسبوع الأول من رمضان في ولاية سكيكدة، فإن العديد من مواطني ولاية ميلة أيضاً عبّروا عن استيائهم الشديد من سياسة التهميش واللامبالاة من قبل مسؤولي الولاية، الذين يتهمونهم ”بالتقاعس” عن القيام بواجباتهم وتحمّل مسؤولياتهم للتخفيف من معاناتهم جراء الأزمة الخانقة في مادة حليب الأكياس والتي تكاد تختفي تماما من المحلات التجارية والأسواق، إلى جانب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي ما اضطر الكثير من المواطنين إلى العودة إلى ماضي ”الشموع والكانكيات” فيما يقوم سكان القرى والمشاتي بجلب الحطب من الغابات ليتمكّنوا من الاستمرار في العيش في ظل ندرة قارورات غاز البوتان وارتفاع أسعارها بشكل جنوني يصل إلى 500 دينار جزائري، إن توفرت. أما عن غاز المدينة فذلك حلم بعيد المنال على الأقل في الوقت الراهن. وفي ولاية ميلة أيضاً لم تقتصر معاناة الناس مع حلول الشهر الكريم على اختفاء مادة غاز البوتان ولجوئهم إلى عهد الوقود البدائي، فالانقطاعات المتكررة للكهرباء لساعات طويلة تصل إلى خمس ساعات في بعض مدن الولاية، تمثل كذلك جزءاً من الحياة اليومية الشاقة. أما المواد الغذائية والاستهلاكية فقد ارتفعت بشكل قياسي حرم الكثير من البسطاء وذوي الدخل المحدود من توفير بعض الوجبات الخاصة بشهر رمضان، ومنها التمر الذي وصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 500 دينار جزائري أما اللحوم البيضاء فقد لامست أسعارها سقف ال400 دينار جزائري للكيلوغرام الواحد، أما اللحوم الحمراء فحدث ولا حرج حيث تعدت ال1000 دينار جزائري للكيلوغرام الواحد. ورغم توفر اللحوم الهندية ببعض القصابات بعاصمة الولاية وبأسعار معقولة، إلا أن مواطني هذه الولاية الهادئة أعلنوا مقاطعتهم لهذه اللحوم المشكوك في أمرها. رمضان هذا العام...صيف حار وغلاء أسعار وفي ولاية سوق أهراس أهلّ شهر رمضان على مواطنيها وهم في أحوال لا تسر، نتيجة أوضاعهم المعيشية الصعبة التي غدت أمرًا واقعًا بالنسبة لغالبية الأسر، في ظل موجة غلاء قاتلة لأسعار المواد الغذائية التي ما زالت تواصل زحفها صعوداً وسط صمت حكومي مطبق، الأمر الذي يحلو كما يبدو لبعض التجار وضعفاء النفوس، الذين يستغلون هذا الشهر للربح والثراء السريع، من دون مراعاة لأحوال الناس وفضائل الشهر وخصائصه. عمي (فوضيل حماش) من سوق أهراس قال ل”الفجر” إن الغلاء خاصة في رمضان، أصبح يشكل قلقاً لجميع الأسر التي تعتمد على الراتب الشهري فقط وليس لديها مصدر آخر ”فنحن أسرة مكونة من خمسة أشخاص، وراتبي 20 ألف دينار، وأولادي جميعهم يدرسون في مدارس التعليم الأساسي التي ستفتح أبوابها خلال الأسبوع الثاني من الشهر القادم، وهم بحاجة إلى ملابس، وجاء شهر رمضان وهو بحاجة إلى ميزانية خاصة، ومن بعده سيأتي عيد الفطر وسيكون الأولاد بحاجة إلى ملابس العيد”، كل ذلك وغيره يشكّل على أسرة عمي فوضيل عبئاً كبيراً، كما يقول، متسائلا: ”ماذا نفعل؟!”، لقد أصبحت حياة عمي فوضيل كلها ”استدانة” وقروض، ”من أجل أن نشتري لأولادنا متطلباتهم”، على حد تعبيره. ولم ينسَ عمي فوضيل في ختام حديثه ل”الفجر” أن يطلب من السلطات الرأفة ”بالمواطن البسيط وأن تحاسب التجار الذين يتلاعبون بقوته”. عادات تلاشت واضمحلت أما الحاج (زكرياء سنوسي) من سكان مدينة سدراتة بولاية سوق أهراس فقد قال في حديثه ل ”الفجر” إنه كان لشهر رمضان نكهة خاصة بين بعض الأسر السوق-أهراسية التي تستقبله بقلوب صافية وتجتمع أغلب الأسر أمام بعض المنازل لتبادل الأحاديث الرمضانية الجميلة، بالإضافة إلى الأكلات الرمضانية الشهيرة مثل شربة الفريك وطاجين العين والمسفوف والدشيشة، حيث كان يتم إعداد بعض هذه الوجبات داخل المنازل وتوزع من منزل لآخر لإفطار الصائم، لكن الحاج زكرياء قال إن هذه العادات تكاد تتلاشى اليوم، نتيجة الغلاء الذي ما كنا نسمع عنه أيام زمان وأصبح المواطن يفكر من أين سيأتي بطلبات رمضان من أجل أسرته. الجميع يشتكي والجميع يشتري...! رغم ذلك، إلا أن ملامح حمى الاستهلاك في أسواق ولاية أم البواقي الشعبية كانت تتسارع مع دخول أول أيام شهر رمضان المبارك بتزاحم المواطنين على الأسواق التجارية ومراكز التسوق لاستغلال فرصة الشراء وسط مخاوف من انفلات الأسعار التي اعتاد عليها المواطنون خلال شهر رمضان في السنوات الماضية. ويأتي هذا الإقبال المتسارع والواسع في اقتناء بعض الحاجيات من المواد الغذائية بعد أن شهدت أسعار المواد الغذائية الأسبوع الماضي ارتفاعاً غير مسبوق قبيل دخول الشهر بأربعة أيام، كان أبرزها ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك، إلى جانب ارتفاع أسعار الخبز وحليب الأكياس وتسجيل ندرة فيهما، فيما بدأت تظهر في ولاية أم البواقي هذه الأيام ملامح الاستعداد التجاري لعيد الفطر والدخول المدرسي المقبل في شوارع الولاية، حيث يتسابق الباعة في الأسواق الشعبية في عموم بلديات الولاية على حجز مواقعهم وعرض سلعهم على الأرصفة والأزقة وفي مداخل أسواق تلك البلديات. صلاة وخشوع على ضوء الشموع..! الحاج (حميدة بوجابي) وجدناه لتوه خارجًا من أحد مساجد عين مليلة بعدما أنهى صلاة التراويح وهو يتصبّب عرقًا وخائر القوى وكأنّي به جاء من معركة أو حرب.. قلنا له: ”ربي يقبل الحاج”. فرد علينا: ”علينا وعليكم بإذن الله”. ثم سألناه عن أجواء رمضان هذا العام فقال بنرفزة كبيرة: ”رمضان شهر الخير واليُمن والبركات لكن في بلادنا حوّلناه إلى شهر للاستهلاك والهلاك فالتيار الكهربائي هو الآخر صام في هذا الشهر. وكما تشاهدون أدينا صلاة التراويح على ضوء الشموع والحكومة مهتمة باستيراد لحوم الهند عوض السودان وتوزيع قفة رمضان على الفقراء عوض إيجاد حلول جذرية لفقرهم..الحاصول رمضان كريم رغم كل شيء”. نساء يبعن الديول والمطلوع لمغالبة الفقر أما في ولاية خنشلة فإن ثمّة قضية لا بد أنها تشغل حيزاً من اهتمامات المواطنين فيها، فالمئات من الأسر المتعففة والأرامل وخريجي الجامعات المحرومين من الوظيفة ينتظرون شهر رمضان بفارغ الصبر لطلب الرزق، حيث تنتعش أسواق بعض المنتجات المحلية خلال الشهر الكريم، ويزداد الطلب عليها، فيلجأ هؤلاء إلى الأعمال التجارية الأكثر بساطة للخروج من حالة الفقر والعوز بعد أن سدّت في وجوههم كل الأبواب. أكثر من 200 امرأة لم يسعفهن الحظ للحاق بالتعليم، وأغلبهن أرامل ومطلقات وأخريات لديهن أسبابهن التي دفعتهن للعمل وامتهان بيع عدة منتجات محلية يزداد عليها الطلب خلال رمضان.