محاضرة محمد بوعزارة اقترن الحديث عن السلام أو الصلح وكيفما كان المصطلح قديما وفي عصرنا الراهن بالحديث عن الحرب. ولذلك فعندما اقترح علي الإخوة في هذه الجمعية مشكورين الحديث عن رهانات وتحديات السلام رأيت من جانبي أن أتطرق لموضوع مكمل للسلام وهو موضوع الحرب، وفضلت أن تكون مداخلتي تحت عنوان: »رهانات الحرب وتحديات السلام«، وأنا لا أدعي لنفسي أنني خبير عسكري أو مختص في قضايا السلام، وإن كنت قد كتبت في هذه المسائل مجتمعة على امتداد أربع عشريات من الزمن في الإذاعة الوطنية و في الصحافة الوطنية و العربية. أولا: رهانات الحرب قبل أن أخوض باختصار في مصطلح الحرب دعوني أسأل لماذا تقوم الحروب أصلا ولماذا تنشب النزاعات بين دولة أو مجموعة دول، وبين طائفة أو مجموعة طوائف وعرقيات أو قبائل إن كانت رغبة الناس جميعا هي السلام و الطمأنينة؟ يبدو أن طرح مثل هذه التساؤلات تعد جوهرية في موضوع يرتبط بالبقاء والحياة وبالتعايش بين جميع الأجناس في مختلف أصقاع الدنيا. تعريف الحرب معقد وبسيط في نفس الوقت. فهذا المصطلح يرتبط بمجموعة كبيرة من التعريفات أبسطها أن الحرب عكس السلم، وهي تعني من بين معانيها كما نجد ذلك خصوصا في »لسان العرب« لابن منظور المقاتلة، فعندما تقول أنا حرب لمن حاربني أي أنا عدو لمن قاتلني. وقد قال أحد الشعراء العرب في إحدى خليلاته : وقولا لها: يا أم عثمان خلتي .... أسلم لنا أنت في حبنا أم حرب؟ ويكاد يحصل شبه إجماع على أن الحروب والنزاعات تقع نتيجة مجموعة من الأسباب والعوامل يمكن أن نبرزها في العناصر التالية: حروب ناتجة عن عمليات احتلال كامل لبلدان أو اغتصاب أراضي دول عن طريق القوة العسكرية من طرف دول و تحويل هذا الاغتصاب إلى احتلال. حروب ناتجة عن نزاع حدودي على أراض متنازع عليها. حروب ناتجة عن نزاعات عرقية بين دول لديها عرقيات مشتركة. حروب زعامات إقليمية تهدف إلى فرض الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية. حروب ناتجة عن توسع دول على حساب دول أخرى . حروب ناتجة عن خصومات شخصية بين زعماء بعض الدول وخاصة المجاورة لبعضها البعض. حروب أو نزاعات نتيجة مقابلات في كرة القدم. حروب ناتجة عن فرض منطق معين على دول أو مجموعات عرقية لأسباب قد تكون واهية، كما كان الأمر بالنسبة لما صار يصطلح عليها بحرب الخليج الثالثة عندما جندت الولاياتالمتحدةالأمريكية بعض حلفائها وخاصة بريطانيا لغزو العراق في 2003 بدعوى امتلاك العراق للسلاح الفتاك والتحالف مع القاعدة، ومن ثمة الزعم لإقامة نظام ديمقراطي، وهي حجج واهية ثبت بطلانها للرأي العام لاحقا. حروب تنشأ للاستيلاء على الثروات أو السعي لإقامة توازن عسكري أو حلف إقليمي، كما هو الحال في عدة حروب . وهناك أسباب عدة ومسميات مختلفة لحروب عديدة كالحروب المباغتة أو الحروب الاستباقية أو الهجومية أو الدفاعية أو حروب الاستنزاف وغيرها من الحروب. ورهانات الحروب تتعدد من حرب لأخرى ومن زمان لآخر. في الحروب السابقة كانت معظم رهانات الحروب استعراضية، حروبا دينية أو حروبا توسعية ضمن سياسات الضم والتوسع عن طريق القوة التي كانت تنتهجها مختلف الدول الأوروبية والتي كثيرا ما كانت تلك الحروب تقوم بينها مثلما كانت هناك حروب لاكتساب الثروات وفرض الهيمنة بالقوة على الدول الضعيفة. والحروب تقوم على مجموعة من الرهانات الإستراتيجية العسكرية والأمنية والسياسية والدبلوماسية والقانونية، ويضاف إلى هذه الرهانات بلغة العصر الرهانات الاتصالية. فمختلف الحروب تقوم على عنصر المباغتة ومفاجأة الخصم لتحقيق مجموعة من الأهداف على الأرض وتحت الأرض لضرب بعض القواعد الجوية وفي الجو وفي البحر بالضرب المباغت لقوة العدو أو الخصم وشل قوته التدميرية وإرباكه عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا لجعله إثر ذلك في مراحل لاحقة في حالة الدخول معه في مفاوضات على التفاوض من موقف ضعف، وربما التسليم ببعض الحقوق التي كان يراها حقوقا مكتسبة لا يمكن التفريط فيها، أو حتى مجرد التفاوض بشأنها كالسيادة الترابية على بعض المناطق المحتلة. فالحروب التي ينفذها العسكريون بخطط يعدها خيرة وكبار الخبراء العسكريين تعرض بطبيعة الحال على القادة السياسيين لإبداء الرأي فيها والموافقة عليها ترمي في اعتقادي لتغيير الثابت بالمتغير. لأن ما يراه البعض ثابتا اليوم يصبح في العرف الدبلوماسي والسياسي وحتى في القانون الدولي من المتغيرات، باعتبار أن السياسة كما يقال هي فن الممكن، وبالتالي فهي عين المتغير إن لم تكن علم هذا المتغير إن جاز لنا ذلك. ولكن لا يجب أن يفهم من هذا أن كل الحروب تحقق الرهانات التي يسعى إليها السياسيون والعسكريون. لنأخذ على سبيل المثال الحرب الأخيرة على العراق وأهم الرهانات التي ركز عليها الأمريكيون وحلفاؤهم الانجليز. كان شعار تلك الحرب هو »الصدمة و الترويع«، وقد قصدوا بها الصدمة والترويع للعراقيين، وهذا الشعار كان وليد فكرة أستاذ العلوم السياسية الأمريكية »هارولد أولمان« الذي كان كذلك أبرز مستشاري البيت الأبيض الأمريكي. وتقوم فكرته الأساسية على أن أمريكا لكي تبقى القوة الرئيسية والمهيمنة في العالم فعليها أن تضع كامل قوتها المركزة والكاسحة باستمرار في مواجهة عدوها لينهار بسرعة أمامها دون أن تترك له الفرصة لاسترجاع الأنفاس. ولهذا لاحظنا مع بدء تلك الحرب مجموعة من الرهانات التي ركز عليها الأمريكيون و هي أن الحرب ستكون خاطفة و نظيفة و أن قنابل ذكية على حد وصفهم ستستخدم في الحرب لضرب أهداف وقواعد عسكرية محددة و ضرب مراكز تواجد قادة النظام العراقي بدقة متناهية. والواقع أن مجريات تلك الحرب لم تكن سريعة ولم تكن نزهة للأمريكيين الذين رغم احتلالهم لأرض العراق ورغم أنهم استخدموا 142 طن من المتفجرات أي أكثر من قنبلتي هيروشيما وناغازاكي بسبع مرات، و6000 قنبلة بواسطة الدبابات و10.000 قنبلة بواسطة الطائرات خلال الأيام الممتدة من بدء الحرب في التاسع عشر مارس وإلى غاية احتلال بغداد بين قوسين يوم ال 9 أفريل 2003 فإنهم مع كل تلك القوة الجهنمية تلقوا درسا من المقاومة العراقية تتابعون تطوراته على الميدان إلى اليوم، وهو ما اضطر رئيسهم الحالي باراك أوباما إلى سحب جزء هام من قواته دون تحقيق الرهانات الأمريكية بعد مضي أزيد من سبع سنوات على الاحتلال. كان من بين الرهانات أن تلك الحرب تكون خاطفة والأمريكيون مازالوا لحد الآن يعيشون في المستنقع العراقي الذي ورطهم فيه الرئيس السابق بوش وجماعته. وكان من بين الرهانات أيضا أن تلك الحرب تكون نظيفة فهل رأيتم أشنع وأقذر وأوسخ من تلك الحرب التي وصفوها بالحرب النظيفة والتي عرت الأمريكيين حتى داخل السجون التي كانوا يديرونها في العراق، مثلما حدث في سجن أبو غريب. وهل سمعتم أن القنابل صارت ذكية تعقل وتفكر كما يفكر الإنسان كما روّجوا لقنابلهم ضد العراق؟؟ وكان من بين رهاناتهم المكذوبة إحلال الديمقراطية فوق أرض العراق، وأترككم تدرسون الحالة العراقية الآن حيث عجز العراقيون وحلفاؤهم الأمريكيون حتى على تنصيب مجرد حكومة بعد مضي سبعة أشهر على الانتخابات التشريعية الأخيرة في هذا البلد الذي تمزقه حرب أهلية وطائفية بفضل هذه الديمقراطية التي جلبها الأمريكيون للعراقيين على ظهر الدبابات الأمريكية. وكان من جملة رهاناتهم الكاذبة كذلك كشف أسلحة الدمار الشامل والمدفع العملاق للعالم الذي ظل يتابعهم على المباشر عبر الصورة بعد أن كانت جل حروبهم قبل ذلك تجري في الخفاء. فأين هي هذه الأسلحة الفتاكة وأين هذه الفزاعة المدفع العملاق؟. وكان من رهاناتهم المغلوطة وضع حد للتعاون بين القاعدة ونظام صدام، وجميع المتابعين للشأن العراقي يعرف العداء المستحكم بين النظام اللائكي القائم في العراق آنذاك وبين الجماعات الإسلامية عموما وخصوصا القاعدة. لكن الأمريكيين لم يقولوا للعالم وإن كان بوش قد كشف وجهه الصليبي في تصريحه الشهير أثناء الحرب والذي تراجع عنه لاحقا أن حربهم في العراق كانت ضد الإسلام. أنا شخصيا لم أهضم لحد الآن أن تكون هجمات الحادي عشر سبتمبر التي طالت آلاف الأبرياء من كل الجنسيات هي من صنيع القاعدة التي يعرف الأمريكيون أصلها وفصلها. والواقع أن الانتشار الذي عرفه الإسلام بعد تلك الحرب وتلك الهجمات يزداد أكثر مما كان عليه الأمر قبل تلك الهجمات داخل أمريكا نفسها. وقد قرأت مؤخرا أن الإسرائيليين حلفاء الولاياتالمتحدةالأمريكية قلقون من هذا الانتشار المذهل للإسلام ، خصوصا في أمريكا. وتحت عنوان مثير ويحمل أكثر من بعد: »أمريكا في طريقها للركوع« حذرت صحيفة »معاريف« الإسرائيلية الواسعة الانتشار أمريكا من الطريق الذي تسلكه على حد تعبير الصحيفة. وفي نفس الاتجاه دعت صحيفة »يدعوت أحرونوت« الإسرائيلية إلى محاربة ما سمته بالعدو وتعني به الإسلام وإلى ضرورة محاصرة العقل الإسلامي، وغسل الدماغ الإسلامي على حد تعبيرها، وهي بطبيعة الحال لا تتخوف من ظاهرة الإرهاب المنسوب للإسلام بقدر ما تتخوف من انتشار الإسلام في بعده الديني والحضاري والإنساني . وقبل أن أختم هذا المحور أود أن أشير أن المسلمين عموما لم يكونوا ولن يكونوا دعاة حرب كما يصورهم خصومهم بل هم دعاة سلام وحوار لأنهم خبروا ويلات الحروب التي طالتهم ويعرفون مخاطرها ومآسيها، ذلك أن الدين الإسلامي يدعو إلى السلم والمحبة وينبذ العنف والتطرف ولنا في وصايا رسول الله أسوة حسنة: »لا تقتلوا شيخا كبيرا ولا طفلا صغيرا، ولا تهيجوا النساء، ولا تقطعوا شجرا ولا تمثلوا بقتلاكم«.