أصدر رئيس الجمهورية أول أمس خمسة قوانين عضوية تتعلق بنظام الانتخابات وحالات التنافي مع العهدة البرلمانية وتوسيع فرص تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة والإعلام والأحزاب السياسية وكذا الجمعيات، وتأتي هذه الخطوة لتغلق الباب نهائيا أمام احتمال لجوء الرئيس إلى إجراء قراءة ثانية لهذه القوانين بعد التعديلات التي أدخلها عليها نواب الأغلبية في البرلمان. المرحلة الأولى من الإصلاحات تكون قد انتهت باعتماد هذه القوانين بشكل نهائي، أما المرحلة الثانية فستبدأ بالانتخابات التشريعية التي ستجري بناء على هذه القوانين على أن يتم طرح تعديل الدستور على البرلمان الذي سينتخب الربيع القادم. أول ما يمكن تسجيله هو أن الرئيس «بوتفليقة» لم يراجع منهجية الإصلاحات بل تمسك بها، فقد أكد في خطابه بمناسبة افتتاح السنة القضائية في شهر ديسمبر الماضي أن الإصلاحات هي إصلاحات الشعب الجزائري، وقلل من أهمية الخلافات داخل التحالف الرئاسي حول مشاريع القوانين التي طرحت، كما اعتبر وزير الداخلية دحو ولد قابلية أن التعديلات التي أدخلها النواب على مشاريع القوانين، رغم أهميتها، لم تمس جوهر الإصلاحات وقال إن المشاريع تم تمريرها بالصيغة التي طرحت بها في البرلمان، وهو نفس الموقف الذي تبناه التجمع الوطني الديمقراطي على لسان أمينه العام أحمد أويحيى الذي اعتبر أن الإصلاحات بالصيغة التي مررت بها من صميم قناعات الحزب. سير العملية بحسب الطريقة التي رسمها الرئيس بوتفليقة يمثل رفضا صريحا لكل الدعوات التي تلقاها بوتفليقة من جهات في المعارضة طلبت منه إجراء قراءة ثانية للقوانين من أجل إنقاذ الإصلاحات التي تعرضت للإجهاض بحسب التعبير الذي استعملته الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، ورئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني، وشخصيات سياسية أخرى، وقد اعتبر موقف نواب الأغلبية من بعض المواد التي تضمنتها القوانين المذكورة، مقاومة لإرادة الإصلاح المعبر عنها من قبل الرئيس بوتفليقة في خطابه الذي ألقاه في منتصف شهر أفريل من السنة الماضية. القراءة السياسية لقرار الرئيس رفض القراءة الثانية، أو التشريع بمراسيم بين دورتي البرلمان لتمرير القوانين بالصيغة التي يريدها، تشير إلى أن الرئيس بوتفليقة حرص على جعل الإصلاحات تتم في إطار المؤسسات وليس خارجها، وقد كان الحرص على هذه القاعدة واضحا منذ البداية، فالمطلب الآخر كان حل البرلمان والذهاب إلى انتخاب مجلس تأسيسي، وهذا الخيار يضع شرعية النظام السياسي القائم أمام علامات استفهام، كما أنه يجعل عملية بناء المؤسسات تتم انطلاقا من الصفر، وبالنتيجة فإن البلاد ستعود إلى مراجعة كل شيء بما في ذلك الثوابت، وهو أمر يحمل مخاطر كبيرة على استقرار الدولة وانسجام المجتمع. من هنا كان واضحا أن الإبقاء على الإصلاحات في إطار المؤسسات الدستورية هو الضامن الوحيد لإحداث التغيير في كنف الهدوء والسلم الاجتماعي، ولا يمكن ضمان مصداقية العملية في هذه الحالة دون القبول بالتغييرات التي أدخلها النواب على القوانين، فرفض حل البرلمان منذ البداية كان إقرارا بأهلية هذه المؤسسة وهذا ما يفرض احترام ما يصدر عنها وما يقرره أعضاؤها بشأن هذه الإصلاحات. المسألة الأخرى التي أكد عليها الرئيس «بوتفليقة» من خلال منهجية الإصلاحات التي اتبعها، هي إثبات انسجام السلطة حول هذه القضية الأساسية، فقد ركزت المعارضة في انتقادها للإصلاحات على القول بأن هناك خلافات داخل السلطة حول هذا المشروع السياسي، وأن «بوتفليقة» يلاقي مقاومة من الداخل تجلت في الموقف السلبي للنواب من بعض مواد القوانين التي طرحت للنقاش في البرلمان، وقد حرص الرئيس على تفنيد هذه القراءة، وأكد أنه يتحمل مسؤولية الإصلاحات بالصيغة التي طرحت بها، وأنه يحترم رأي النواب، وهذا الأمر لا يخص علاقة الرئيس ببعض القوى السياسية التي تدعمه فحسب، بل يخص أيضا العلاقة بين السلطة والمواطنين، فالرسالة موجهة إلى عامة المواطنين وهي تهدف إلى طمأنتهم بأن ما يجري تنفيذه هو مشروع للإصلاح السياسي يهدف إلى إعادة بناء النظام على قواعد جديدة بما يعزز الحريات والشفافية في إدارة الشأن العام، ويعطي مزيدا من الضمانات لإجراء انتخابات نزيهة تجعل الناخبين أصحاب القرار الأخير في تحديد من سيحكم البلاد ومن سيمثلهم على كل المستويات، وفي مقابل هذه تهدف الرسائل التي وجهها «بوتفليقة» إلى مختلف الأطراف إلى الرد على أولئك الذين يريدون إشاعة حالة من الشك من أجل إجهاض مسار الإصلاح المؤسساتي وإبقاء الشارع كبديل وحيد للتغيير. إن الطريقة التي يجري بها تمرير الإصلاحات تمثل في حد ذاتها رهانا سياسيا، فما يجري في الجوار المباشر وفي المنطقة العربية فتح الباب أمام التغيير عن طريق الشارع، وهو خيار محفوف بالمخاطر، ولا تزال بعض الدول الشقيقة التي شهدت احتجاجات انتهت بإسقاط حكامها متاعب كبيرة في الاتفاق حول أرضية مشتركة من أجل بناء نظام سياسي جديد، وقد يستغرق الأمر وقتا أطول مما كان متوقعا، مع كل الآثار السلبية التي قد ترافق حالة عدم الاستقرار وفي مقدمتها التدخل الأجنبي الذي يأخذ أشكالا متعددة قد لا يكون التدخل العسكري بالضرورة من ضمنها.