اختار الأمين العام لجبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم أن يرد على خصومه داخل الحزب، وعلى اتهامات الأطراف السياسية الأخرى للأفلان بإجهاض الإصلاحات بإعلان الرئيس بوتفليقة مرشحا لانتخابات الرئاسة سنة 2014، وهو إعلان يتجدد بعد عام من الحديث عنه أول مرة. بلخادم قال في تصريحات لجريدة “الخبر”: ” إن الرئيس بوتفليقة باق (في منصبه) وسيكمل عهدته إلى غاية سنة 2014 وهو رئيس الأفلان ومرشحه، إلا إذا رفض ذلك فسيكون هناك حديث آخر”، وقد أصر بلخادم على هذا الإعلان رغم إقراره بأنه من “السابق لأوانه الحديث عن الترشح للرئاسيات”، وهو ما يعني أن الأمر يتعلق برسالة سياسية أكثر مما هو متعلق بقرار مدروس تم اتخاذه على مستوى الحزب. الصيغة التي جاء بها حديث بلخادم تؤكد حرصه على الظهور كممثل شخصي للرئيس، أي أنه الأكثر قربا منه، وأنه يعرف تماما ما سيقدم عليه بوتفليقة في الأيام القادمة، وهذا مهم من ناحية إثبات المكانة السياسية، ومهم أيضا لتفنيد الأخبار المتداولة منذ فترة حول تخلي الرئيس عن بلخادم، وفي بعض التفاصيل يبدو بلخادم حريصا على الظهور وكأنه يتحدث بتفويض من الرئيس الذي قال عنه إنه ”يرغب في إعطاء مزيد من الصلاحيات للبرلمان في الدستور القادم، وتوضيح العلاقة بين الحكومة والهيئة التشريعية بجلاء”، وأنه ”يأمل في انفتاح أكثر وحريات أوسع ودسترة العلاقات بين مؤسسات الجمهورية”. الرد هنا يأخذ أبعادا متعددة، فالأمين العام يبدو وكأنه يتولى الدفاع عن الرئيس وإصلاحاته، والرسالة هنا موجهة إلى المعارضة في المقام الأول، والتي تعتبر أن الإصلاحات مجرد محاولة لربح الوقت، غير أن الرد يعني أيضا من هم على علاقة جيدة بالرئيس، مثل الشريك الآخر في التحالف الرئاسي حركة مجتمع السلم، أو حزب العمال الذي تدعم أمينته العامة الرئيس في توجهاته الإصلاحية، أو حتى أعضاء مجلس الأمة، وكل هؤلاء يتهمون الأفلان بالسعي إلى إجهاض الإصلاحات بعد أن أدخل نوابه تعديلات مهمة على مشاريع القوانين التي طرحت للنقاش في البرلمان مؤخرا. رئيس حركة حمس أبو جرة سلطاني قال قبل أيام إن “الإصلاحات التي وعد بها رئيس الجمهورية تم الالتفاف عليها وتعويمها وتسطيحها وتحزيبها ولم تصبح لا عميقة ولا جادة، كما أعلن عنها الرئيس في خطابه في 15 أفريل 2011′′، والمتهم هنا هو الأفلان ونوابه، كما رأت الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون “إن على بوتفليقة أن يقوم بالتشريع بالأوامر لتجاوز عقبة النواب”، واعتبرت أنه “حتى وإن كان الإجراء غير ديمقراطي، إلا أنه أفضل من رجعية و ردة نواب الأغلبية”، وقد جددت حنون هجومها على البرلمان الحالي واعتبرت أن “قوانين الإصلاح لا بد أن تمر عن طريق برلمان جديد أكثر شرعية و أكثر مصداقية”، لأن المجلس الشعبي الوطني الحالي “لا يمكن أن يأتي بإصلاحات حقيقية”، وأضافت “لقد تأكدنا بعد التعديلات التي ادخلها نواب المجلس الشعبي الوطني على مشاريع القوانين التي اقترحتها عليهم الحكومة بأنهم أجهضوا مسار الإصلاحات”، ويضاف إلى هذا موقف نائب مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي زهرة ظريف بيطاط التي قالت إن ”الطريقة التي قدم بها نواب المجلس الشعبي الوطني قانون ترقية مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وطريقة تعاطيهم مع هذا القانون، تبين أن هناك نية غير معلنة لإقصاء المرأة والالتفاف على المشروع”، وأن ذلك ”يعد مخالفة واضحة للتعهدات والالتزامات التي قدمها الرئيس بوتفليقة بشأن ترقية تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة. هذه الاتهامات جعلت الأفلان يبدو كعقبة في وجه الإصلاحات، وهو الأمر الذي يريد بلخادم أن ينفيه، واختياره لترشيح الرئيس لرئاسيات 2014 يحمل رسالة واضحة مفادها أن الأمين العام للأفلان ربط مصيره السياسي نهائيا ببوتفليقة الذي يبدو أنه الورقة الرابحة الأخيرة في مواجهة الخصوم داخل الحزب وخارجه، فدعم الرئيس بقي عاملا حاسما في ترجيح كفة القيادة الحالية في مواجهة التقويميين، بل إن الحديث أول مرة عن ترشيح الرئيس لانتخابات 2014 جاء في اجتماع للجنة المركزية عقد على وقع الصراعات الداخلية في الحزب، وقد تمت قراءة القرار على أنه محاولة من بلخادم للتحصن بدعم بوتفليقة، فمنذ بروز حركة التقويم والتأصيل كان السؤال الأكثر إلحاحا هو : ما موقف الرئيس بوتفليقة مما يجري في الحزب الذي يعتبر الأقرب إليه والذي نصبه رئيسا؟ ويقال أن عبد العزيز بلخادم نفسه طرح هذا السؤال على محيط الرئيس ومقربيه، وأراد أن يتحسس موقف بوتفليقة وإن كان، هو أو من هم قريبون منه، على صلة بما يجري من عصيان، والإجابة التي قدمت لبلخادم كانت واضحة لا علاقة للرئيس ولا لمقربيه بما يجري، غير أن إشارات متناقضة جاءت في مراحل لاحقة أعادت طرح هذا السؤال، فقد أثارت الإصلاحات الجدل حول موقف بلخادم من هذا المشروع وحقيقة علاقته بالرئيس، وفي أكثر من مرة بدا بلخادم وكأنه يخسر دعم بوتفليقة ولعل هذا ما يجعله اليوم يعلن ترشيحا قبل الأوان لبوتفليقة باعتباره آخر الأوراق الرابحة التي يمكن المراهنة عليها.