أغلق الرئيس بوتفليقة الباب نهائيا أمام التكهنات بخصوص موعد وظروف إجراء الانتخابات التشريعية عندما أعلن أن الاستحقاق سيكون في موعده، وأن العملية ليست مجرد إجراء شكلي بل ستكون تعددية بشكل غير مسبوق. أول الاحتمالات التي تم إسقاطها من الحساب رسميا هي اللجوء إلى حل البرلمان أو إجراء انتخابات مسبقة، فبرغم أن الفترة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات التشريعية لا تزيد عن ستة أشهر إلا أن هذا المطلب ظل مطروحا بإلحاح من قبل بعض الأحزاب التي اعتبرته الضمانة الوحيدة لنجاح الإصلاحات، وقد جاءت الانتقادات العلنية الموجهة للأغلبية البرلمانية واتهامها بالسعي إلى إجهاض الإصلاحات من خلال التعديلات الجوهرية التي أدخلها النواب على مشاريع القوانين المتعلقة بهذه الإصلاحات. الحرص على احترام موعد الانتخابات يعكس موقفا مبدئيا، ولا يتعلق الأمر بالتقيد بجدول زمني بقدر ما يرتبط بالأساس الذي قامت عليه الإصلاحات، فقد أصر الرئيس بوتفليقة منذ البداية على أن تجري الإصلاحات ضمن المؤسسات الدستورية، وأن تكون مرحلة ضمن مشروع كامل للتقويم الوطني شمل الجوانب الأمنية والاقتصادية ابتداء وهو الآن يتعدى للمستوى السياسي، وهذا التصور هو الذي برر رفض مقترح المجلس التأسيسي الذي دعت إليه بعض الأحزاب ودعمتها شخصيات وطنية من ضمنها من هو معروف بقربه من الرئيس بوتفليقة، كما أن التأكيد على إجراء الإصلاحات ضمن المؤسسات وليس خارجها هو الذي حتم التوصل إلى صيغة توفيقية تجعل تعديل الدستور آخر مرحلة في الإصلاح السياسي حيث يتم ضمن برلمان منتخب على أساس القواعد الجديدة التي جاءت بها الإصلاحات، وما يؤكد هذا التوجه هو ما نقله البيان الصادر في أعقاب اجتماع مجلس الوزراء عن بوتفليقة، الذي قال “وكما سبق وأن أعلنت في أفريل المنصرم سأعرض على البرلمان مشروع مراجعة الدستور في كنف احترام الإجراءات التي ينص عليها القانون الأساسي(...)وفي انتظار ذلك مغتبط لكون الانتخابات التشريعية المقبلة ستجري في كنف تعددية غير مسبوقة بمشاركة طبقة سياسية ستتعزز بأحزاب سياسية جديدة وبالتسهيلات التي أقرها القانون لصالح المرشحين الأحرار”، ويبدو واضحا أن الهدف في النهاية هو إعطاء المصداقية اللازمة لتعديل الدستور والذي يمثل جوهر الإصلاح السياسي. ومن الناحية الإجرائية حرص الرئيس بوتفليقة على تأكيد احترام الوعود والآجال من خلال القول بأن «الحكومة كانت في الموعد إذ أودعت مجمل مشاريع القوانين المتعلقة بالإصلاحات لدى مكتب البرلمان والبرلمان منكب حاليا بكل سيادة وديمقراطية على استكمال بته في مشاريع القوانين هذه بما فيها القوانين العضوية التي ستعرض على المجلس الدستوري لإصدار رأيه بشأنها»، وكنتيجة لذلك فإنه «سيتم استدعاء الهيئة الانتخابية فور اختتام الدورة الخريفية للبرلمان من أجل إجراء الانتخابات التشريعية خلال الربيع المقبل»، والحديث عن احترام الرزنامة يمثل ردا مباشرا على أطراف سياسية تتهم السلطة بأنها تماطل وأنها تريد إفراغ الإصلاحات من مضمونها من خلال المراهنة على الوقت لامتصاص مطلب التغيير. التفصيل الآخر على المستوى الإجرائي والقانوني هو التأكيد على أنه «يتم حاليا صنع 113 ألف صندوق اقتراع شفاف في ورشات محلية في حين انتهت أشغال تهيئة المقرين المخصصين للجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات واللجنة الوطنية المشكلة من قضاة التي ستتولى الإشراف على الانتخابات، أما النصوص التنظيمية اللازمة لتنظيم الانتخابات التشريعية فقد شرع في صياغتها وستكون جاهزة خلال الأيام القليلة التي ستعقب استدعاء الهيئة الانتخابية»، وهو ما يعني الالتزام باحترام كل التفاصيل وتحديد التوقيت بدقة. على مستوى ظروف إجراء الانتخابات وضمانات نزاهتها، وهو الأمر الأهم، فضّل الرئيس بوتفليقة أن يتحدث بشكل مباشر، فقد جاء في البيان الصادر عقب اجتماع مجلس الوزراء أن الرئيس «حرص على تجديد عزمه على السهر على تأمين كافة ضمانات الشفافية في الانتخابات التشريعية المقبلة»، معلنا أن الجزائر ستوجه الدعوة بهذه المناسبة للملاحظين الدوليين، وفي هذا الإطار أوكل رئيس الدولة للحكومة مهمة الشروع دون تأخير في الإجراءات اللازمة لدى جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأممالمتحدة من أجل دعوة كل هذه المنظمات إلى إيفاد ملاحظيها للتشريعيات القادمة على نحو ملموس». الالتزام أولا بإجراء انتخابات تعددية غير مسبوقة من خلال اعتماد أحزاب جديدة، ثم دعوة الملاحظين الدوليين لمراقبة هذه الانتخابات يعكس حساسية العملية، فمن ناحية هناك عزم على إجراء انتخابات مفتوحة، وهو أمر بدأ يشعر به الفاعلون السياسيون كما هو حال الأفلان الذي توقع أمينه العام عبد العزيز بلخادم أن يضاعف الإسلاميون حصتهم من الأصوات دون أن يتمكنوا من حصد الأغلبية، والأرجح أن هذا التوقع مبني على معطيات دقيقة توحي بأن الانتخابات ستعكس الإرادة الشعبية، ومن هنا تتوالى التوقعات بتغير الخارطة السياسية بشكل جوهري بعد الانتخابات القادمة. العامل الآخر الذي دفع إلى استدعاء الرقابة الدولية هو العمل على امتصاص ضغط الخارج، فاستدعاء المراقبين الدوليين سيعطي نتائج الانتخابات المصداقية، وسيسقط ورقة التدخل الأجنبي التي أصبحت تشكل خطرا حقيقيا بالنظر إلى ما يجري في بلدان عربية أخرى، فضلا عن كون هذه الخطوة تنزع ورقة التهديد باستدعاء التدخل الأجنبي التي تلعبها بعض الأحزاب وخاصة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.