تواصل الجزائر منذ أسبوعين مساعيها من أجل إيجاد حل سياسي للوضع المتفجر في شمال مالي، ويبدو واضحا أن أطروحة باماكو التي تربط بين متمردي الطوارق وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لم تقنع دول المنطقة وفرنسا التي تراقب التطورات عن قرب . قبل أيام كان وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي قد صرح بأن الجزائر ومالي متفقتان على البحث عن حل سياسي للنزاع الدائر في شمال مالي بين الحكومة المركزية في باماكو وحركة تحرير الأزواد، وقد بدا ذلك التصريح وكأنه رد مباشر على استنتاجات مبكرة أطلقتها الحكومة المالية وربطت فيها بين الطوراق والقاعدة على خلفية الأسلوب الذي استعمله المسلحون في الهجوم على مواقع للجيش المالي في منطقة أكيلهوك والذي خلف أزيد من مائة قتيل، كما أن تصريحات مدلسي استبقت استنتاجات مشابهة للوزير الفرنسي للتعاون هنري دو رانكور الذي أثار شبهات حول هوية المسلحين الذين نفذوا العملية، كما أنه نقل شهادات لجنود ماليين فارين من موقع الهجوم أكدوا أنهم شاهدوا مسلحين ملتحين ويرتدون زيا يشبه الزي الأفغاني. الوزير الفرنسي تراجع عن تلك التخمينات وصرح لدى زيارته الجزائر أول أمس قائلا ” بالنظر إلى المبادرات التي اتخذتها الجزائر سيما خلال الأسابيع الأخيرة فان فرنسا تزكي تماما مسعى مسار الجزائر”.، ودعا إلى “وقف فوري لإطلاق النار لدواع إنسانية وكذلك لأنه الشرط المسبق الضروري قبل الشروع في حوار مع جميع الفاعلين”، واعتبر الوزير المنتدب للشؤون المغاربية والإفريقية عبد القادر مساهل أن “هناك تطابقا لوجهات النظر واعتقد أن بإمكان الطرف الفرنسي تقديم مساهمة جوهرية للمسار الذي شرع فيه بالجزائر بين الحكومة المالية ومتمردي الطوارق”، والمقصود بالمسار هنا الاتصالات التي باشرتها الجزائر منذ مطلع الشهر الجاري حيث قدم إلى الجزائر وفد عن الحكومة المالية ووفد عن متمردي الطوارق ممثلين بتحالف 23 ماي الديمقراطي من أجل التغيير ومقاتلين من جبهة تحرير أزواد. وتعتقد الجزائر أن اتفاق الجزائر الموقع في سنة 2006 لا يزال إطارا صالحا لحل النزاع، وقد كانت باماكو الطرف المتهم بعدم الوفاء بالتزاماتها، كما أنها اتهمت بالسعي إلى ربط حركة الطوراق بالنشاط الإرهابي من أجل التنصل من واجباتها، وقبل عامين من الآن أصدر التحالف الديمقراطي من أجل التغيير في شمال مالي “تصريح الجزائر” بعد اجتماع ضم عشرين من قادة طوارق مالي، وقد تضمن التصريح دعوة للحكومة المالية لتطبيق اتفاق الجزائر، واتهم الناطق باسم التحالف حكومة مالي بلعب دور مزدوج في الحرب على الإرهاب، “حيث تمد يدها للشركاء الدوليين وفي نفس الوقت تقيم اتصالات خفية نشطة مع القاعدة في الساحل الإفريقي”، وذهب إلى حد القول “إن باماكو متواطئة مع الجماعات الإرهابية من أجل الإثراء عن طريق تقاسم أموال الفدية التي تدفعها الحكومات الغربية نظير تحرير رعاياها الذين تختطفهم تلك الجماعات الإرهابية”، وتساءل عن الأسباب الحقيقية التي تحول دون تطبيق كامل لاتفاق الجزائر، خاصة ما تعلق منه بتنصيب الوحدات الأمنية الخاصة التي نص عليها الاتفاق الجزائر لتجمع مقاتلي التحالف الذين تركوا السلاح ليعاد إدماجهم في القوات النظامية، وستكون مهمة هذه الوحدات في شمال البلاد هي ”ضمان أمن المنطقة وسكانها وحمايتها من الإرهاب والجريمة والعصابات”. نفس الاتهامات عادت إلى الواجهة أمس على لسان رئيس المكتب السياسي للحركة الوطنية لتحرير الإزواد، محمود اغ أغالي الذي قال في تصريحات لمجلة “جون أفريك”: “أؤكد انه لا علاقة لنا بالقاعدة ولسنا مهربو مخدرات ولسنا عصابات، بالنسبة لنا هي ظواهر تمس بإقليمنا، وبمساعدة باماكو، هنا هؤلاء الناس يحضون بمساعدة أشخاص لهم نفوذ كبير”. اتفاق الجزائر الذي اعتبر إنجازا دبلوماسيا كبيرا عندما تم توقيعه في الرابع من جويلية 2006، وضع إطارا لإنهاء المواجهات المسلحة التي ظلت تعصف بشمال البلاد، وقد حرصت الجزائر من خلال وساطتها على أن يكون الاتفاق في إطار احترام دستور مالي ووحدتها الترابية، وتضمن إلى جانب إجراءات وقف المواجهات، تدابير تهدف إلى إعادة ترتيب الأوضاع في منطقة شمال مالي، من خلال إدماج مسلحي الطوارق في القوات النظامية، وتشكيل وحدات خاصة لحماية أمن مناطق الشمال ومواجهة النشاط الإرهابي، مع إطلاق مشاريع تنموية في منطقة الشمال تنهي حالة العزلة والتهميش التي يعيشها السكان الطوارق، غير أن حكومة باماكو فضلت البحث عن الدعم الأجنبي بدل الوفاء بالتزاماتها في إطار الاتفاق، ويمثل السعي إلى ربط مشكلة الطوارق بالإرهاب الدولي محاولة أخرى للهروب إلى الأمام لم تحل المشكلة بل فجرت الوضع، ولم تقنع حتى الدول الغربية بمصداقية هذه الأطروحة.