أثارت التسهيلات التي منحتها مصالح وزارة الداخلية في الفترة الأخيرة من أجل منح الاعتماد للأحزاب الجديدة حفيظة عدد من النقابات المستقلة التي انتظرت سنوات من أجل الترخيص لها بالنشاط دون جدوى، حيث دعت إلى ضرورة الاستفادة من نفس الامتيازات. وأكثر من ذلك فقد أشار قياديون في هذه النقابات إلى قدرة الأخيرة على إقناع المنتسبين إليها بالمشاركة في التشريعيات المقبلة من خلال تنشيط حملات تحسيس. على الرغم من تأكيد قيادات في نقابات غير معتمدة على أهمية الانفتاح الحاصل في الحقل السياسي بعد التسهيلات التي منحتها الحكومة في الأشهر الأخيرة في سبيل اعتماد أحزاب جديدة، فإنها أعابت في المقابل ما أسمته «تجاهل مطالبنا بالمعاملة بالمثل كوننا ننشط منذ سنوات ولنا تأثير واسع على شريحة معتبرة من العمال في مختلف القطاعات»، ويتعلق الأمر هنا بعدد من النقابات المستقلة التي تنشط بالأساس في قطاع التربية وقطاعات أخرى لا تقل أهمية. ومن هذا المنطلق لم تتوان نقابات مستقلة في توجيه نداء إلى السلطات المعنية من أجل إعادة النظر في التدابير المتخذة والتي حالت دون حصولها على ترخيص رسمي بالنشاط، وقد طرحت الكثير من علامات الاستفهام وراء التردّد الحاصل لدى مصالح وزارة العمل على وجه الخصوص، مثلما استفسرت عن الأسباب الكامنة وراء عدم منحها الاعتماد في وقت يتم القيام بذلك تجاه الأحزاب وبالرغم من كونها تلعب دورا مهما في الساحة الوطنية. وتعتبر النقابة الوطنية للأسلاك المُشتركة والعمال المهنيين في قطاع التربية واحدة من بين هذه النقابات التي تشتكي الازدواجية في التعامل مع مسألة منح الاعتماد، وهو ما يؤكده رئيسها «سيدي علي بحاري» في اتصال مع «الأيام» قال فيه: «نحن لم نفهم بعد لماذا يتواصل تجاهلنا رغم أننا قدّمنا ملفا كاملا منذ سنوات»، وبكثير من الثقة يشدّد محدّثنا على أن النقابات قادرة على التحسيس بمدى أهمية التشريعيات المقبلة شأنها في ذلك شأن الأحزاب. وقد استفسرت «الأيام» رئيس هذه النقابة غير المعتمدة عما إذا كان هذا الالتزام هو بمثابة «عرض خدمة» فأجاب بالنفي: «نحن نقدّر أهمية الانتخابات التشريعية المقبلة، وقد استوعبنا الرسائل التي بعث بها رئيس الجمهورية في خطاباته الأخيرة، ونعتقد بالتالي أن اقتراع 10 ماي يعني كل الجزائريين ونحن كنقابة مؤثرة يمكن أن نساهم في تجنيد آلاف العمال المنتمين إلى هذه الفئة من أجل المشاركة بقوة في هذا الموعد»، لكنه استطرد: «عائقنا الوحيد الآن أننا لا زلنا في رحلة البحث عن الاعتماد». وبحسب قناعة «سيد علي بحاري» فإنه بعيدا عن الاختلاف الحاصل في الأدوار المسندة إلى الأحزاب السياسية وتلك التي تلعبها النقابات المستقلة «إلا أن من بين أهدافنا المشتركة هو استقطاب القاعدة العمالية أو الشعبية من أجل دعمها لتحقيق أهدافها الكبرى». وفي تشخصيه للوضع شرح المتحدّث بعض الجوانب السلبية من تعامل السلطات مع نقابته ونقابات أخرى تعاني من الوضع نفسه، مستغربا لجوء السلطات العمومية إلى منح الاعتماد إلى الأحزاب دون التعامل بالمثل مع النقابات. وحرص «بحاري» على تبليغ رسالة نقابته بقوله: «نحن نحاول مثلا اليوم النشاط في الميدان للتحسيس بمدى أهمية الانتخابات التشريعية المقبلة والتحذير في الوقت نفسه من الدوائر المعروفة بروابطها مع الخارج من أجل ضرب الاستقرار الداخلي للجزائر»، قبل أن يُجدّد التعبير عن استيائه موضحا: «لكن للأسف لا نستطيع النشاط بشكل رسمي بسبب عدم منحنا الاعتماد لذلك نُطالب بضرورة إعادة النظر في هذا الموضوع ما دام الوقت مناسب لذلك». ولا يختلف الموقف الذي أبداه ممثل عن النقابة الوطنية للتكوين المهني عن سابقه كونه أشار إلى وجود «تفريق واضح» في سياسة اعتماد الأحزاب والنقابات «بما أن أي نقابة أو حزب سياسي استوفى الشروط القانونية المطلوبة فلا يوجد أي مبرر لعدم منحه الاعتماد، وهو ما تنصّ عليه القوانين لذلك مطلبنا الوحيد هو إنصافنا من خلال تطبيق القوانين..»، وألحّ من جانبه بضرورة إعادة النظر في هذه المسألة التي اعتبر بأنها «لا تخدم أية جهة على الإطلاق خصوصا وأن البلاد مقبلة على انتخابات يعنى بها الجميع وليس فقط محصورة في الأحزاب». في غضون ذلك يجري التنسيق حاليا بين النقابات المعنية من أجل النظر في آليات التحرّك ضمن مساعيها الحصول على الاعتماد، وقد عرفت في الأيام القليلة الماضية انضمام نقابة أساتذة التعليم العالي المتضامنين حديثة التأسيس، وهي المنظمة التي جاء عل لسان أحد أعضائها القياديين قوله: «صحيح أن هناك رهانا سياسيا في انتخابات 10 ماي القادم، لكن برأينا فإن لكل طرف مهمته، فالحزب السياسي له دوره والنقابة لها دورها والكل يتكامل في خدمة الوطن»، وعليه شدّد على أنه «لا يجب التفريق بين الاثنين بما أن الهدف واحد وهو خدمة المصلحة العليا للبلاد»، داعيا السلطات إلى التخلّي عن ما أسماه ب «سياسة الكيل بمكيالين» في التعامل مع هذا الملف.