حذر وزير الداخلية دحو ولد قابلية الأحزاب الصغيرة من أنها ستواجه نفس المصير الذي لاقته في الانتخابات التشريعية في المحليات التي سيتم إجراؤها يوم 29 نوفمبر القادم، وقد تزامنت هذه التحذيرات مع ملاحظات قدمتها بعثة الملاحظين الأوروبيين حول استفادة جبهة التحرير الوطني من النظام الانتخابي. دعا الوزير ولد قابلية الأحزاب الصغيرة إلى التحالف وتقديم قوائم موحدة في الانتخابات المحلية، وللدعوة بعد سياسي واضح، فقد قال الوزير إن الأحزاب الصغيرة قد تواجه نفس المصير في نتائج المحليات المقبلة في حال لم تقدم على الدخول بقوائم متحالفة، ما قد يذهب بمقاعد البلديات إلى الأحزاب الكبيرة ويطرح مجددا مشكل مصداقية والشكوك في النتائج، وهي إشارة إلى أن الأحزاب عليها أن تتعامل بذكاء مع النظام الانتخابي الذي يحدد سقف 5 بالمائة كحد أدنى من الأصوات للحصول على مقعد. هذه الملاحظة تقدم تفسيرا للنتائج التي آلت إليها الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث حصل حزب جبهة التحرير الوطني على عدد كبير من المقاعد دون أن يحوز نسبة كبيرة من الأصوات، وهو رد مباشر على اتهامات التزوير التي وجهتها بعض أحزاب المعارضة للسلطة، وأكثر من هذا يبدو تدخل وزير الداخلية في هذه الفترة بالذات استباقا لأي اتهامات في المستقبل خاصة وأن الانتخابات المحلية ستجري وفق نفس النظام الانتخابي فضلا عن كون الساحة السياسية لا تشهد أي مساعي للتحالف بين الأحزاب الصغيرة التي كانت الخاسر الأكبر بسبب النظام النسبي ولكن أيضا بسبب عدم قدرتها على تنظيم نفسها بسبب الوقت القصير الذي كان يفصل بين اعتماد هذه الأحزاب وتاريخ إجراء الانتخابات. ما يعزز تصريحات ولد قابلية هو الخلاصة التي خرجت بها بعثة الملاحظين الأوروبيين للانتخابات التشريعية التي قدمت تقريرها النهائي الأحد الماضي، فقد قال رئيس البعثة عضو البرلمان الأوروبي، إغناسيو سالافرانكا، في ندوة صحافية عقدها بعد تقديم التقرير، إن جبهة التحرير الوطني كانت المستفيد الأول من النظام الانتخابي الحالي، أي النظام النسبي ورفع سقف الحصول على مقعد إلى 5 بالمائة، وأضاف أن الأفالان الذي حصل على 17 بالمائة من الأصوات فاز ب207 مقعد، في حين أن 21 حزبا مجتمعة حصلت على أكثر من 53 بالمائة من الأصوات لكنها لم تنتزع إلا 58 مقعدا. وإذا كانت البعثة الأوروبية قد أوصت بمراجعة القوانين التي تنظم الانتخابات فإن الجزائر تحفظت على هذه الملاحظات، باعتبار أن الأمر يتعلق بقوانين تم اعتمادها من قبل البرلمان وفي إطار القوانين الجزائرية، وتبدو هذه التوصيات سياسية أكثر منها تقنية، في حين أن وظيفة البعثة كانت مراقبة العملية الانتخابية للتأكد من نزاهتها، ولا تمثل ملاحظات البعثة الأوروبية طعنا في نزاهة الانتخابات، بل إنها تعزز التفسير الرسمي للفوز الكبير الذي حققه الأفلان عندما حاز 270 مقعدا، غير أن تدخل وزير الداخلية يعكس الحرص على أن تأخذ الانتخابات المحلية مسارا مغايرا، ولن يحدث ذلك إلا إذا راجعت الأحزاب استراتيجيتها الانتخابية وأقامت تحالفات من أجل تحويل الأصوات التي تحصل عليها إلى مقاعد في المجالس المنتخبة. يبدو واضحا من خلال تصريحات وزير الداخلية أن السلطات حريصة على إعادة تنظيم الساحة السياسية من خلال تجاوز حالة التشرذم التي تمنع بروز قوى سياسية مؤثرة تستطيع أن تفرض توازنات تساهم في الاستقرار السياسي وفي وضع قواعد لتوافق وطني يبدو أنه من أولويات المرحلة القادمة، وتتأكد هذه النوايا من خلال الانزعاج الذي أبداه وزير الداخلية من الطريقة التي يتم بها تأسيس الأحزاب والعدد الكبير من طلبات الاعتماد التي تم ايداعها لدى وزارة الداخلية، فقد أشار الوزير إلى أن 30 حزبا أودعت ملفات لطلب الاعتماد، لكن غالبيتها غير جدية وأصحابها لا يملكون أي رؤية سياسية أو تصور للعمل السياسي، وقال ”لو كان الأمر يعود لي شخصيا لرفضت اعتمادها مسبقا، لكن القانون يعطي لأي جزائري الحق في تأسيس حزب”، وأعطى مثالا على حزب ”المواطنة” الذي تم رفض اعتماده، مشيرا إلى أن ثلاثة من مؤسسي الحزب اختلفوا مباشرة بعد طلب الاعتماد وعاد كل منهم إلى تأسيس حزب بمفرده، مشيرا إلى أنه يرفض منح اعتماد لأحزاب تحوّل الانتخابات إلى تجارة للربح وبيع القوائم. وكان أحد أهم الانتقادات التي وجهت لوزارة الداخلية هو أنها تسببت في تشرذم الساحة السياسية بسبب إقدامها على اعتماد عدد كبير من الأحزاب عشية الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من ماي الماضي، ويمثل الموقف الذي عبر عنه وزير الداخلية نقضا لهذه التهمة، بل إنه يشير صراحة إلى أن على الأحزاب أن تدفع باتجاه التحالفات من أجل تشكيل تكتلات سياسية من أجل وضع قواعد تعددية سياسية مستقرة. السياق الذي جاءت فيه تصريحات وزير الداخلية تطبعه التساؤلات حول سبب التأخر في تشكيل الحكومة بعد ثلاثة أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية، وقد ربط الوزير الأمر بصلاحيات رئيس الجمهورية، غير أنه لمح إلى أن الأمر يتعلق بإعادة تشكيل الحكومة بشكل عميق من خلال إدماج بعض الوزارات، وهذا يقدم تبريرا لتأخر الإعلان عن الحكومة، وهو أيضا رد ضمني على التكهنات التي ربطت الأمر بوجود خلافات داخل السلطة حول هذه المسألة. القراءة السياسية للوضع القائم وللاستعدادات الجارية للمرحلة القادمة تقود إلى الاستنتاج بأن السلطة حريصة على الانتقال إلى المرحلة اللاحقة من الإصلاحات في حالة من الاستقرار السياسي فضلا عن الاستقرار الأمني والاجتماعي، والواضح أن هناك حرصا على إعطاء مصداقية أكبر للانتخابات المحلية لتجاوز الاتهامات التي طالت التشريعيات، خاصة وأن الانتخابات ستتزامن مع الانتقال إلى مرحلة حساسة من الإصلاحات السياسية تتعلق بتعديل الدستور الذي يعتبر المعيار الأهم الذي من خلاله يمكن الحكم على المدى الذي يمكن أن تبلغه الإصلاحات التي تمثل البديل الذي أخذ به الجزائريون عوضا عن متاهات ما يسمى الربيع العربي الذي أثمر كثيرا من الفوضى في البلدان التي حل بها. إبراهيم عبد الله شارك: * Email * Print * Facebook * * Twitter