أصدرت أمس وزارة الدفاع الوطني بيانا ترد من خلاله على الدعوات التي توجه للجيش الوطني الشعبي من أجل عزل رئيس الجمهورية وإعلانه عاجزا عن أداء مهامه بسبب المرض، ويمثل البيان أول رد من قبل المؤسسة العسكرية منذ تنقل الرئيس بوتفليقة إلى باريس للعلاج قبل أزيد من ستة أسابيع. البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية "وزارة الدفاع الوطني تذكر بأن الجيش الوطني مؤسسة وطنية جمهورية حدد مهامها الدستور وأوضح صراحة دورها في تدعيم وتطوير الطاقة الدفاعية للأمة التي تنتظم حول الجيش الوطني الشعبي الذي تتمثل مهمته الدائمة في المحافظة على الإستقلال و الدفاع عن السيادة الوطنية". وقد جاء رد فعل المؤسسة العسكرية بعد نشر رسالة للمجاهد محمد مشاطي نشرته جريدة "لوسوار دالجيري" في عددها الصادر أول أمس الثلاثاء ودعا فيها صراحة الجيش إلى عزل الرئيس بوتفليقة، وخاطب مشاطي، وهو أحد أعضاء مجموعة 22، قادة الجيش قائلا : "أنتم الذين اخترتم وفرضتم هذا الرجل (بوتفليقة) وأعلنتموه فائزا في الانتخابات ثم أعدتم انتخابه، زورا وبوقاحة.. اليوم وهذا الرئيس مريض، الدولة بأكملها متأثرة بذلك، وهذه نتائج تصرفات دكتاتورية ومستبدة لسلطته".، وأضاف مشاطي : إن "شجاعتكم ووطنيتكم التي لا نشك فيها يجب أن تدفعكم للتحرك سريعا، لأن ذلك يتعلق ببقاء بلدنا، وسيكون الجزائريون ممتنين لكم".، وعندما سألت جريدة "لوسوار دالجيري" مشاطي عما يطلبه من الجيش بدقة لم يتردد في القول إنه يطلب منه أن "يعزل الرئيس بوتفليقة من الحكم". المطالبة بعزل الرئيس بوتفليقة كانت قد جاءت من أكثر من جهة، وقد دعت إليها بصفة خاصة بعض الشخصيات المعارضة للرئيس، غير أن رسالة مشاطي أثارت رد فعل وزارة الدفاع التي اختارت أن ترد على الجميع من خلال الرد على هذا المجاهد بالنظر إلى مكانته ورمزية موقفه السياسي، وقد كان موقف مؤسسة الجيش واضحا ومباشرا حيث جاء في البيان "و في هذا المنظور يجدر التوضيح بأن الجيش الوطني الشعبي يبقى دوما مجندا لتحمل مهمته النبيلة في ظل الاحترام الصارم للدستور والنصوص القانونية التي تحكم سير مؤسسات الدولة الجزائرية تحت قيادة السيد رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني". رد المؤسسة العسكرية جاء واضحا على مستويين، الأول قانوني، وهنا لمحت وزارة الدفاع الوطني إلى تمسكها بالدستور من أجل إحالة دعاة العزل على القانون الأسمى الذي لا يعطي أي صلاحية للمؤسسة العسكرية بإعلان عجز الرئيس عن أداء مهامه، ويشير الدستور بوضوح إلى أن الجهة التي تقوم بإخطار البرلمان بالعجز هي المجلس الدستوري، ورغم هذا يشير خبراء القانون الدستوري إلى هناك مشكلة في هذا التفصيل باعتبار أن الدستور لا يحدد أي جهة بإمكانها أن تطالب المجلس الدستوري بالنظر في هذه المسألة. القول بأن الجيش متمسك باحترام الدستور وتطبيقه له بعد سياسي أيضا، وهو المستوى الآخر من الرد الذي قدمته وزارة الدفاع الوطني، فالمؤسسة العسكرية تقول صراحة بأنها ليست طرفا في اللعبة السياسية، وأنها ملتزمة بالحدود التي رسمها الدستور لمهامها وصلاحياتها، وأكثر من هذا هي خاضعة لإرادة المؤسسة التي تتبع لها وهي رئاسة الجمهورية، فالرئيس كمؤسسة أولا، وكشخص يجسد المؤسسة ثانيا، هو وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة وليس للمؤسسة أن تعزل قائدها. هذا البيان من جانب الجيش جاء ليعطي التفسير السياسي لسفر رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح إلى باريس أول أمس بصحبة الوزير الأول عبد المالك سلال حيث استقبلهما الرئيس بوتفليقة بمقر إقامته حيث يقضي فترة نقاهة، وقد كان تنقل رئيس أركان الجيش رسالة سياسة واضحة من جانب المؤسسة العسكرية مفادها أن لا خلافات بين الجيش والرئيس، وأن المؤسسة العسكرية لا تلقي بالا للدعوات المتكررة من أجل التدخل في السياسة وعزل الرئيس أو الدعوة إلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة. الصورة التي جرى تقديمها أمس، حيث يتوسط الرئيس بوتفليقة كلا من الوزير الأول ورئيس أركان الجيش، تتجاوز طمأنة الجزائريين على الوضع الصحي للرئيس، وإنهاء حالة الشك والغموض التي أحاطت بحالته منذ سفره إلى باريس، لتصل إلى حد تقديم مؤسسات الدولة في حالة انسجام كامل، وهو ما يعني امتصاص حالة التهويل التي أثارتها بعض الأخبار المتناقضة والتي حاولت بعض أطراف المعارضة استغلالها سياسيا من أجل فرض أولويات جديدة في هذه المرحلة. إعلان الجيش حياده والتزامه باحترام الدستور يسقط أهم الأوراق التي أرادت المعارضة الاعتماد عليها، بل إن سباق الانتخابات الرئاسية سيحافظ على كل مفاجآته الآن، وقد يشهد دورا حاسما للرئيس بوتفليقة، سواء شارك فيه أو لم يشارك.