في روايته الشهيرة "طوق الياسمين" الصادرة عام 1981، كتب واسيني الأعرج "فلسطين حتى وهي بعيدة، تمنحنا الكثير من الدفء"، لكن بعد ثلاثة عقود اختار أن تبعث روايته الجديدة "مملكة الفراشة" الدفء على أرض فلسطين..زيارة الروائي الجزائري لرام الله في الضفة الغربية جاءت "بعد تريّث" كما قال، من أجل إطلاق روايته الأخيرة "مملكة الفراشة" من متحف الشاعر الفلسطيني محمود درويش. الأعرج عبر عن إعجابه بالأمسية الأدبية الحاشدة التي أقامها المتحف يوم السبت على شرفه، حيث قال إنها كانت "مدهشة من حيث الحضور واهتمامهم بالأدب رغم المشاكل اليومية التي يواجهها الناس تحت الاحتلال"، ويعتبر الأعرج أحد أهمّ الأصوات الروائية في الوطن العربي بعد أن أصدر قرابة 18 نصا روائيا، باللغتين العربية والفرنسية، وهو أيضا جامعي يشغل منصب أستاذ بجامعتي السوربون في باريس والجزائر المركزية. واختار الأعرج إطلاق روايته الجديدة "مملكة الفراشة" من فلسطين بعد أن صدرت في الشهر الحالي في دبي في انتظار صدورها عن داري نشر بكل من بيروت والجزائر، وأعلن متحف محمود درويش في رام الله أن ريع مبيعات الرواية سيذهب لصالح مكتبة أدب السجون وهي جزء من مكتبة بلدية نابلس شمال الضفة الغربية، والتي تحوي عددا كبيرا من كتابات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. وقال الأعرج إنه "يجب أن نتيح المجال لكتابات الأسرى كي تخرج من دائرة الضيق إلى العالم وليقرأ الناس شهاداتهم وتوتراتهم الداخلية. فالزمن يمر والناس يتعبون من القضايا المؤلمة، لكن هذه النصوص تبقى ويمكن توريثها للأجيال كي يعرف من يأتي بعدنا كيف صارت هذه التضحيات.."، ويرى واسيني الأعرج في هذه البادرة، توجها رمزيا كي لا يشعر الأسرى بالعزلة، وليعرفوا "أننا لا ننساهم أبدا وأننا معهم في حالة إصغاء، حيث تتحول كتاباتهم إلى جسر يشركهم بالعالم". ويقول الأعرج إن الحروب الأهلية بقدرتها التدميرية لا تغدو مشكلة بحد ذاتها فقط ولكن أيضا بما تخلفه من أحقاد وشكوك تدفع الناس حتى بعد انتهائها بسنوات إلى العزلة وهو تماما ما فعلته "ياما " وعائلتها. وتتجه ياما في الرواية إلى خلق عالمها الخاص من خلال موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" والاندماج في عالم مختبرات الأدوية بعد مقتل والدها خاصة، بينما تختار والدتها، مدرسة اللغة الفرنسية، الانغماس في عالم الأدب والروايات بعيدا عن الاختلاط بالناس. ويبين الأعرج أن هذا النص الروائي، وإن بني على إيحاءات استندت للوضع الجزائري، إلا أنه يعبر أيضا عن ما يعيشه الإنسان العربي بحيث تصبح تأثيرات الحروب حقيقة مشتركة في هذه المنطقة، وأرادالكاتب -حسب قوله- "تنبيه القارئ العربي خاصة لتجنب هذه الحالة، كي يشعر الإنسان بنفسه وينقذها من احتمالات العزلة في مجتمعات لا توفر له ظروف الإنقاذ هذه". وهو الأمل الذي يبثه في نهاية روايته عندما تختار "ياما" مقاومة السقوط في اليأس والخروج من عزلة العالم الافتراضي إلى الحياة الحقيقية. وللروائي الأعرج رواية "سوناتا لأشباح القدس"، الصادرة عام 2009، وهي التي أثارت جملة من الأسئلة حول الكتابة عن مدينة لم يزرها، حتى تحققت له زيارة القدس مع زوجته الشاعرة زينب الأعرج. وتقدم الرواية حكاية فنانة تشكيلية فلسطينية تدعى "مي"، غادرت فلسطين في طفولتها إلى الولاياتالمتحدة، وأصيبت في نهاية حياتها بالسرطان، فأوصت بأن تحرَق وأن ينثر رمادها فوق نهر الأردن وفي حارات المدينة المقدسة. يقول الأعرج إن فلسطين بالنسبة له "حالة وجدانية ناهيك عن كونها حالة قومية عربية وتاريخية وهناك ما يدفعنا نحوها دائما". رغم اعترافه بأنه تريث كثيرا قبل قبول دعوة متحف محمود درويش لزيارة فلسطين، والكاتب مثل الكثير من الأدباء والفنانين العرب، الذين لا يزالون يقفون في مواجهة جدل التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي عند التفكير في زيارة فلسطينالمحتلة، لكنه قال "لا أستطيع أن أكون فلسطينيا أكثر من الفلسطيني نفسه الذي يريد لهذا البلد أن ينهض على قدميه"، حاثا العرب على "كسر الجليد تجاه فلسطين". وعلى هامش زيارة الأعرج، ستحظى نخبة من الكتاب الفلسطينيين الصاعدين بفرصة للانخراط في ورشة عن كتابة الرواية، من أجل "تعليمهم أسس الإبداع على أصول أدبية وتقنية مرتبطة بأسس شكلية ككيفية كتابة الرواية ودور اللغة وتركيب الشخصيات فيها"، وقال الأعرج إن هذا النوع من الورش أتاحت للعديد من الكتاب الصاعدين فرصة تعلم الكتابة والإبداع في روايات مهمة وخاصة في فرنسا.