ماذا نفعل بالرئيس بشار الاسد؟ هذه هي العقدة الأبرز في التفاهم الروسي الأمريكي. موسكو تقول دعوا الشعب يقرر. واشنطن وحلفاؤها من تركيا إلى أوروبا إلى الخليج يقولون يجب أن يكون رحيل الأسد شرطا لأي تسوية مقبلة للأزمة السورية. وحتى اشعار آخر يبدو أن الرئيس السوري مصمم على الترشح مجددا في العام المقبل تاركا قرار بقائه أو رحيله لاستفتاء شعبي أو لانتخابات. في هكذا حالات يصبح قتل الأسد واحدا من الاحتمالات الممكنة. لا شك أن الذين يفكرون بذلك يدركون أن في الأمر خطرا كبيرا . حلفاء سورية الآن وكذلك القسم الأكبر من القيادة السورية الحالية وقسم لا بأس به من الشعب السوري يعتبرون أن بقاء النظام السوري هو من بقاء الأسد وأن الارتباط عضوي بين الطرفين. يدرك حلفاء سورية أيضا أن بقاء النظام هو سر بقائهم خصوصا بعدما دخلوا بالحرب إلى جانبه من روسيا إلى ايران إلى حزب الله . في آخر المعلومات أن اللقاء الأخير بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري والمبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي في 12 سبتمبر الجاري ، تطرق بالعمق إلى مستقبل الأسد. طلب كيري من الابراهمي محاولة اقناع الايرانيين والروس بالضغط على الرئيس السوري لعدم الترشح عام 2014 مقابل البقاء هانئا حتى آخر ولايته وتخفيف الدعم العسكري للمعارضة المسلحة. يعتبر وزير الخارجية الأميركي أن أي بحث في جنيف 2 والمرحلة الانتقالية لا يمكن أن يتم دون التحديد المسبق لمستقبل الأسد . كان رد الابراهيمي أنه في المرة الأولى وجد الاسد قابلا لبحث هذا الاحتمال لكنه حين عالد إليه بعد شهرين سمع كلاما مفاده أن لا شيء يمنعه من الترشح طالما أن الشعب يريد ذلك . الابراهيمي مقتنع بأن امكانية فوز الأسد بالانتخابات قائمة ذلك أنه حتى الساعة لا يوجد مرشح فعلي يمكن أن يشكل تهديدا له. عدد من الدول الغربية مقتنع بالأمر نفسه . يبدو أن هذا هو رأي الأميركيين أيضا، ولكنهم لا يزالون يراهنون على احتمال اعادة تلميع وتظهير صورة الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب الذي استقال من الائتلاف سابقا . المعلومات المتوافرة تفيد أيضا بأن الأميركيين ومعهم بعض الدول الأوروبية والخليجية مستمرون في البحث عن شخصية ذات ثقل معنوي تستطيع أن تحل مكان الاسد . اذا كان كل هؤلاء يفضلون الشخصية من صفوف المعارضة إلا أنهم لا يرفضون فكرة المجيء بقيادي من الطائفة العلوية نفسها أو حتى من أهل النظام ذاته. المهم هو عدم اشراك الاسد في العملية الانتقالية. جرت محاولات عديدة لاقناع ضابط كبير بالانشقاق لتسلم هذه المسؤولية أو على الأقل مسؤول سياسي رفيع . فشلت المحاولات . لعل السفير الاميركي السابق في دمشق "روبرت فورد" الذي لعب ولا يزال دورا محوريا في تسليح المعارضة وفي تأليب اطراف سورية ضد الأسد وفي جذب شخصيات من طوائف أخرى غير سنية إلى المعارضة ، هو الساعي بخطوات حثيثة في الوقت الراهن، وبتنسيق مع دول غربية ومسؤولين خليجيين للدفع باتجاه اتفاق المعارضة على شخصية تتمتع بشعبية جيدة أو تكون عندها صفات كاريزمية ولا تقلق الجيش السوري بغية تقديمها كبديل عن الأسد . جرى بحث مستفيض مع مسؤولين مصريين لعقد اجتماع موسع لمختلف اطياف المعارضة في القاهرة لهذا الغرض . مصر التي غيرت وجهتها بعد اطاحة الرئيس الإخواني محمد مرسي وصارت أكثر تصلبا في معارضة أي تدخل خارجي ، وربما أكثر تنسيقا تحت الطاولة مع دمشق، لا تمانع بايصال شخصية أخرى غير الأسد إلى السلطة اذا كان في ذلك ما يوقف حمام الدم . وفي المعلومات أيضا أن الأميركيين كانوا قد اقترحوا على الايرانيين صفقة متكاملة تقضي بالبدء برفع العقوبات عن إيران والمساعدة في تخصيب اليورانيوم بنسبة 5،3 وبايجاد آلية تفاهم لاعادة تقاسم النفوذ في العراق ، وذلك شرط إقناع الأسد بعدم الترشح والمساهمة في توسيع قاعدة النظام لبعض المعارضة وغض الطرف عن التسوية السلمية الجاري العمل عليها بين الاسرائيلين والفسلطينيين . يبدو أن الجواب الايراني كان مفاده أن النظام السوري خط أحمر . يقال أن مرشد الثورة الايرانية ( أو القائد وفق التوصيف الأحب على قلوب الايرانيين ) السيد علي خامنئي يعتبر أيضا أن الأسد خط احمر، وهذا أمر بات بحكم المسلمات الايرانية في دمشق، وهو ينسحب أيضا على نظرة حزب الله إلى الاسد . أطراف عديدة تريد قتل الأسد. يقال أن القصف الذي استهدف المسجد الذي صلى فيه مؤخرا كان يستهدفه شخصيا . بعض التقارير الدولية والاسرائيلية تقول أن بشار الأسد تخطى والده حافظ الأسد حيال دعم المقاومة. الرئيس الراحل كان أكثر ميلا للمناورة والافادة من التناقضات الدولية بين السوفيات والأميركيين، ثم تقارب مع الأميركيين في الحرب على العراق من منطلق ترك الموجة تمر وتمرير سياسته في سورية ولبنان. يقال أن بشار الأسد ظهر منذ وصوله إلى السلطة مستعدا للقتال ضد اسرائيل وأقل ميلا للتفاهمات ما لم تلب الطموحات السورية. ظهر ذلك خصوصا حين زاره كولن باول بعد اجتياح العراق . ومع ذلك فاسرائيل والغرب قلقون من احتمالات ما بعد الأسد وغرق سورية بالإرهاب الذي سيمتد حكما إلى المحيط ما لم يتوفر شخص كاريزمي يستطيع جمع السوريين وإرضاء الجيش والمعارضة والمسلحين، وهذا شبه مستحيل . لكن الآن وبعد دخول الروس والأميركيين بتفاصيل صفقة لم تتوضح تماما بعد، واذا ما تبين أن الأسد هو العقبة الوحيدة أمام هذه الصفقة، ألا يصبح احتمال اغتيال الأسد قائما أكثر من أي وقت مضى ؟ لا شك أن كل ذلك يتعلق بصلابة الموقف الروسي . فموسكو أيضا تعتبر ، -على الأقل حتى الآن- أن تعاظم دورها في الشرق الأوسط تحقق بفضل سورية، وأن ذلك ما كان ليحصل لولا العلاقة الاستراتيجية مع الأسد التي نسجت بدقة منذ عام 2007 . وموسكو ، على الأقل حتى الآن أيضا ، تجاهر بضرورة أن يقرر الشعب السوري مصير الرئيس. هذا بالضبط ما قاله الرئيس فلاديمير بوتين لمحادثيه الأميركيين وما قاله أيضا لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حين زاره في أوج الازمة السورية. يقال أن نتنياهو سأله : لماذا لا تتخلون عن الأسد ، أجابه بوتين بابتسامته الماكرة: إذهب وحاول أن تقنعه . هل الرئيس الأسد يأخذ احتمال اغتياله بعين الاعتبار ؟ لا شك في ذلك ، ولكن ظهوره المفاجيء بين وقت وآخر بين مؤيديه، يزيد الخطر إلى حد كبير خصوصا في هذه المرحلة، ذلك أنه في زمن الصفقات يصبح كل شيء مباح . يقال أن أحد أهداف العدوان الأميركية على سورية كان قتل الأسد ولو عن طريق " الخطأ المتعمد "، أو تسهيل وصول مقاتلين مسلحين بدعم مباشر من كوماندوس غربي إلى مكانه.. تبين أن الامر شبه مستحيل فالاجراءات الأمنية حول الرئيس والتشاور المستمر مع الروس والايرانيين وحزب الله حول أفضل طرق الحماية أثبتت نجاعتها ، لكن الرئيس يبدو في بعض المرات غير ملتزم بكل هذه التعليمات.. وربما هذا خطأ فادح الآن وفق ما يقوله بعض أنصاره. سامي كليب