مثل لقاء الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني أمين سعيداني برئيس حزب تجمع أمل الجزائر عمار غول إشارة إلى إمكانية ترميم التحالف الرئاسي الذي غادرته حركة مجتمع السلم مطلع السنة الماضية، وعرف حالة من الجمود منذ الإطاحة بالأمين العام السابق للأفلان عبد العزيز بلخادم الذي تزامن مع تقديم الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى استقالته. منذ تأسيس "تاج" ورئيسه عمار غول يعد القواعد بدور كبير على الساحة السياسية في المستقبل، البعض اعتبر أن الوعد مرتبط بالمستقبل السياسي للوزير غول الذي رشحه البعض للرئاسة، والبعض الآخر اعتبر أن الأمر يتعلق بالاقتراب أكثر من الرئيس بوتفليقة والمراهنة عليه في المرحلة اللاحقة، وقد بقي غول إلى جانب زميله في الحكومة عمارة بن يونس الذي يقود الحركة الشعبية الجزائرية من السباقين إلى دعم ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة، ومنذ الانتخابات الأخيرة برز الحزبان كقوتين سياسيتين مهمتين على الساحة يمكنهما التأثير على التوازنات القائمة. في البيان الذي صدر بعد لقاء سعيداني وغول وردت بعض الإشارات التي قد تدل على التوجه الذي سيعتمده الحزبان في المرحلة القادمة، فقد دعا الحزبان " الطبقة السياسية لتعزيز الحوار فيما بينها ودفع وتيرة التنمية والسلم والمصالحة الوطنية"، وهذه في حد ذاتها تختصر المحاور الأساسية لبرنامج بوتفليقة الذي قدمه في الانتخابات الرئاسية سنة 2009، فالأولوية كانت دوما لتكريس المصالحة الوطنية وتعزيزها بمزيد من الإجراءات، فضلا عن تجسيد برنامج للتنمية للنهوض بالاقتصاد الوطني بما يسمح بالتكفل بالمطالب الاجتماعية للجزائريين، ثم هناك محور آخر تمت الإشارة إليه بالقول إن الحزبين يثمنان "الدور الكبير الذي يقوم به الجيش الوطني الشعبي ومختلف الأسلاك الأمنية في صون الوحدة والسيادة الوطنية وبسط الأمن والطمانية بالداخل وعلى حدود البلاد بما يعزز مكاسب الاستقرار ويعزز التعاون الأمني مع دول الجوار"، وهو الأمر الذي يجد تفسيرا أيضا في دعم التغييرات الأخيرة التي أجراها الرئيس على الجهاز التنفيذي، وكل هذه المحاور تؤكد أن كلا من الأفلان وتاج ماضيان قدما على طريق دعم برنامج الرئيس بوتفليقة في المرحلة القادمة. وإذا كان قرار بوتفليقة بالترشح إلى عهدة جديدة لم يعلن بعد، فإن الإعلان عن هذا التوجه في الفترة الحالية يؤكد مراهنة الحزبين على الاستمرارية بصرف النظر عن الشخصية التي ستتولى الرئاسة بعد أفريل 2014، وهو ما يعني في النهاية أن الساحة السياسية تشهد استعدادات جدية لتشكيل تحالفات للتأثير في توجهات الناخبين في الاستحقاق القادم. التقارب بين الأفلان وتاج يبدو وكأنه إعادة صياغة للتحالف الرئاسي الذي تصدع مع انسحاب حمس منه، فعمار غول كان من بين معارضي تحول حمس إلى المعارضة، ورغم أنه قاد قائمة الحركة في العاصمة في الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر ماي من السنة الماضية إلا أنه كان قد أتم استعداداته لإطلاق حزب جديد، وقد استطاع أن يستقطب كثيرا من إطارات حمس، واحتفظ بمنصبه في الحكومة، ورفض صراحة فكرة التحول إلى حزب معارض، وعلى العكس من حزبه القديم اقترب أكثر من الرئيس بوتفليقة وأعلن دعما غير المشروط له للبقاء في الرئاسة لعهدة أخرى، وكل هذه المواقف جعلته مرشحا للعب دور أساسي في بناء تحالف سياسي يدعم الرئيس سواء من خلال الدعوة إلى التصويت لصالحه إن ترشح، أو الوقوف وراء المرشح الذي يزكيه بوتفليقة، وهو هنا يحتل الموقع الذي أخلته حركة حمس بعد أن بقيت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي. التحالف بين تاج والأفلان يمثل استمرارا للتحالف بين التيارين الوطني والإسلامي، فتاج يبقى في كل الأحوال امتدادا لحمس من حيث النهج السياسي القائم على المشاركة في السلطة واعتماد توجه إسلامي معتدل، مع مزيد من الالتزام بالسياسات الحكومية والانخراط في المشروع السياسي الذي يقدمه بوتفليقة، وهنا يكمن الفارق بين مواقف حمس وتاج، فأبو جرة سلطاني جعل حمس تضع رجلا في السلطة وآخر في المعارضة، وحرص خلال السنوات الماضية على الوقوف بعيدا عن بعض تفاصيل السياسات الحكومية لأنه كان يحرص على إبقاء الصلات وثيقة مع المعارضة التي قد يلتحق بها في أي لحظة، كما أنه كان يشتكي باستمرار من تغييبه من قبل الحليفين الآخرين وهما الأفلان والأرندي، ولعل عمار غول بولائه للرئيس بوتفليقة وانخراطه الكامل في العمل الحكومي سيتجاوز هذا الشعور بالعزلة داخل التحالف الرئاسي الذي طالما لاحق قادة حمس ووقف عائقا أمام علاقتهم بحلفائهم. من هنا لا يمكن اعتبار بروز التقارب بين الأفلان وتاج على أنه بناء تحالف رئاسي جديد بقدر ما هو ترميم للتحالف القديم في انتظار التحاق الأرندي مجددا بعد حسم الخلاف حول اختيار أمين عام جديد، وبقي احتمال التحاق الحركة الشعبية الجزائرية بقيادة عمارة بن يونس بهذا التحالف، فالحركة تعتبر حزبا ليبراليا وهي من الأحزاب التي لها حضور في منطقة القبائل بالنظر إلى الماضي السياسي لقائدها الذي كان من الوجوه البارزة في التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وفي حال التحاق بن يونس بالأفلان وتاج والأرندي فإننا نكون أقرب إلى صيغة الائتلاف الحكومي الذي تأسس بعد انتخابات الرئاسة سنة 1999 حيث دخل الأرسيدي الحكومة آنذاك إلى جانب حمس والأرندي والأفلان، قبل أن ينسحب في سنة 2002 تحت ضغط أحداث الربيع الأسود في منطقة القبائل. في كل الأحوال يبدو أن أحزابا مؤثرة في الساحة السياسية حسمت أمرها وهي ماضية في دعم الرئيس بوتفليقة قبل أشهر قليلة من السباق الرئاسي، وهو ما يعزز خيار الاستمرارية الذي أكدته القرارات السياسية الأخيرة المتعلقة بإعادة تنظيم المؤسسة الأمنية فضلا عن التعديل الحكومي العميق، ويترك توجه هذه الأحزاب أثرا كبيرا على الساحة السياسية من حيث أنه يشيع شعورا بأن خيارات المرحلة المقبلة باتت معلومة والتوافق عليها يكون قد حصل بالفعل.