شرع المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي مطلع الأسبوع الفارط في تنظيم أشغال ملتقى دولي حول الاقتصاد القائم على المعرفة بالشراكة مع معهد البنك الدولي ومنظمة الأممالمتحدة، بغرض إبراز عوامل الإبداع وتحديث أجهزة التسيير والإدارة الوطنية في شتى المجالات الاقتصادية المختلفة. وانطلقت أشغال الملتقى المنعقد بقصر الأمم بالعاصمة بحضور ممثلين عن المؤسسات العمومية وخبراء جزائريين، إضافة إلى متعاملين اقتصاديين ونقابات وممثلين عن المجتمع المدني، من أجل تدارس إمكانية تطوير البرامج والاستراتيجيات الوطنية بناءا على متطلبات الاقتصاد المبني على المعرفة في البحث عن النجاعة، وانطلاقا من تثمين الموارد البشرية الموجودة حاليا، باعتبار اندراجه ضمن أهم خمسة مسائل مدرجة في الرزنامات العالمية بعد كل من التنمية البشرية، مكافحة الفقر، الحريات العامة والحكم الراشد. وكان الخبراء المشاركون في فعاليات المؤتمر الدولي قد أجمعوا على أن مواكبة الجزائر لقواعد الاقتصاد القائم على المعرفة لن تكون دفعة واحدة، على اعتبار أن الدول الكبرى قد تقدمت كثيرا في هذا المجال وخطت خطوات هامة في طريق تكوين مجتمعات معلوماتية ترتكز على المعرفة في تطوير أبسط أسس حياتها، غير أن الجزائر ستتمكن من مواكبة ثورة المعلوماتية دون شك. مجتمع المعلوماتية ورهان تطوير الاستراتجيات الوطنية انصبت مجمل المداخلات التي جاءت في إطار أشغال الملتقى الدولي حول الاقتصاد القائم على المعرفة حول أولوية تقييد مشرع وطني قائم على المعارف المتنامية وجعله من بين الأولويات الوطنية، حيث أكد عبد القادر جفلات أستاذ اقتصاد وباحث على أن تجسيد الثورة المعلوماتية تتطلب استثمار كافة الكفاءات الوطنية والقدرات التنموية بشكل كامل لبلوغ هدف تطبيق قواعد المعرفة الحقة، عن طريق إرساء قواعد تفكير جدية حول شروط تجسيد اقتصاد المعرفة في الجزائر. وأوضح المتحدث أن الوصول إلى تكوين مجتمع المعرفة يقتضي مشاركة الجامعيين والباحثين في تطوير إستراتيجية وطنية حول اقتصاد المعرفة في خدمة النمو والتنمية المستديمة، مضيفا أن الجزائر تتوفر حاليا على طاقات بشرية ذات نوعية ومعرفة كامنة هامة وكفاءات علمية وتقنية بالخارج ينبغي استغلالها بشكل تام، بالنظر إلى كون المعرفة ملكا ماديا مولدا للثروات وموردا استراتيجيا لتطوير الاقتصاديات الوطنية. ويتيح تطبيق خيار الاقتصاد القائم على المعرفة إمكانية التحاق الجزائر بالركب الدولي في سياق العولمة، عن طريق توحيد المعايير العالمية المتعامل بها في المؤسسات الدولية، وتكييفها مع السياق الوطني، إذ تعتبر الجزائر حاليا أمام تحدي هام يتمثل في إنجاح مسار انتقالها من خلال تركيز جهودها على العامل البشري، بالإشراك الفعال لكل الأطراف المعنية في عمل موحد موجه من خلال إستراتيجية وطنية شاملة، تقوم على البحث في عوامل الابتكار وتحسين التنافسية واستقطاب الاقتصاد الوطني من خلال مجموع الفاعلين في الاقتصاد والمجتمع. ويغطي الاقتصاد القائم على المعرفة عديد المواضيع المتعلقة بمؤشرات الأداء الاقتصادي، البنية الأساسية للمعلومات، نظم الابتكار، نظم التعليم، نظام الحوافز الاقتصادية، الحكومة الإلكترونية، التعليم الإلكتروني، التجارة الإلكترونية، الصيرفة الإلكترونية، وسوق العمل المرتبط بتقنية المعلومات والاتصالات، كما يتناول التحديات الاجتماعية الاقتصادية التي تواجه الدول. حوصلة توجيهية لأولى عناصر اقتصاد المعرفة من المتوقع أن يتم إعداد العناصر الأولى من التقرير حول الاقتصاد القائم على المعرفة شهر نوفمبر القادم بتقديم حوصلة تحدد إستراتيجية توجيه الاقتصاد الوطني في السنوات القليلة المقبلة، إذ يعتبر التقرير بمثابة وثيقة قاعدية لعمل الحكومة في هذا المجال. وفي ذات الإطار، تطرق محمد الصغير باباس رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي خلال مداخلته في أشغال الملتقى الدولي إلى ضرورة وضع نقطة ارتكاز على مستوى كل قطاع وزاري من أجل تحديد وتطبيق الاقتراحات التي ستتم صياغتها بخصوص إستراتيجية الاقتصاد القائم على المعرفة، مشيرا إلى أن الحكومة شرعت في تأسيس نقطة ارتكاز تعنى باقتصاد المعرفة في كل قطاع وزاري بقرار من رئيس الحكومة، الأمر الذي يعكس مدى الوعي الحكومي بأهمية الملف الذي يتم تدارسه حاليا. وتعتبر جميع مؤسسات القطاعات الوزارية، بما في ذلك السلطات العمومية معنية بتطبيق سياسات مجتمع المعرفة، وفي اتصال مباشر فيما يتعلق بالأشغال التي تقوم بها اللجنة الخاصة التابعة للمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي. وفي سياق مغاير، أوضح رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي أن كل الفاعلين المعنيين بتطبيق الإستراتيجية الجديدة قد باشروا نشاطاتهم لإثراء الحوصلة التوجيهية الأولى، مشيرا إلى أن جميع الفاعلين بالمجتمع معنيون كل على مستواه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال من أجل التعامل مع التنمية بطريقة أخرى، من خلال مواكبة ما يحصل في العالم للاستفادة ومحاولة التقدم إلى مصاف الدول الكبرى. وتشير إحصائيات منظمة الأممالمتحدة إلى أن الاقتصادات المبنية على المعرفة قد استأثرت خلال العام الجاري على 7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بمعدل نمو قارب 10 بالمائة سنويا، في حين أن أكثر من 50 بالمائة من نمو الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي هي نتيجة مباشرة لاستخدام وإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في بناء مجتمع المعرفة، على عكس الدول النامية التي ينبغي عليها إعادة بعث جهازها الاقتصادي بإعطاءه وتيرة تكنولوجية متسارعة، عبر تطوير المنظومة التربوية وتحسين نظام التكوين في القاعدة منذ المدرسة الابتدائية. خطة حكومية لمواكبة مصاف الدول الكبرى تتولى حصيلة إستراتيجية الاقتصاد القائم على المعرفة تحديد كافة الخطوط العريضة التي سيتم تقديمها لمختلف مراكز اتخاذ القرار وعلى رأسها السلطة التنفيذية، ومن المنتظر أن يشمل التقرير النهائي كافة نقاط القوة والاختلالات المحتملة بشكل يمكّن الحكومة من التفكير في إعادة تنظيم البرامج ومطابقة الاستراتيجيات الموجهة للاقتصاد القائم على المعرفة، لمواكبة الثورة المعلوماتية ومصاف الدول المتقدمة في هذا المجال. وينكب حاليا فريق من الخبراء المكلفين بالتحليل على تحدد آجال لتنفيذ هذه الإستراتيجية على المدى القريب، بإقامة تصور جديد لأنظمة تقييم حديثة للسياسات العمومية الموجهة للاقتصاد الوطني مع إدراج المعايير الدولية وأخذ الخصوصيات المجتمعية الوطنية بعين الاعتبار. وستشكل هذه الوثيقة خطة عمل حكومية مكتملة تقوم على تشاور بين كافة القطاعات الوزارية لتحريك وتيرة التنمية الوطنية، ومواكبة أخر ما توصلت إليه الثورة المعلوماتية الحديثة.