التصريحات التي نُسبت إلى مسؤول فرنسي كبير، لم يكشف عن هويته، والتي نشرتها يومية وطنية قبل يومين تثير كثيرا من الأسئلة. فهذا المسؤول كان يتحدث في قضايا تاريخية، ولم يناقش مسألة العلاقات الجزائرية الفرنسية، وبكل تأكيد فإنه كان يعبّر عن رأيه الشخصي حيال القضايا التاريخية التي تؤثّر على مستقبل العلاقات بين البلدين، ومن هنا فإن السؤال الأول الذي يطرح هو لماذا أصرّ هذا المسؤول الفرنسي على إخفاء هويته أولا، ولماذا اختار أن يمرّر رسالته من خلال جريدة جزائرية واسعة الانتشار؟. الإجابة الأولية التي قد تتبادر إلى الذهن هي أن الرسالة السياسية موجهة نحو الجزائر، وهي تقول بكل وضوح إن لفرنسا ما تقوله حول مسائل التاريخ المعقدة، ومن هنا يمكن أن نفهم الموقف المتطرّف الذي عبّر عنه هذا المسؤول المقنّع في تصريحاته، فقد ذهب إلى حد إنكار تاريخ الجزائر ووجودها قبل الاستعمار الفرنسي، ولمّح إلى ما سمّاه الجرائم التي ارتكبها الطرف الآخر، وهو مساواة بين الجلاد والضحية لا يمكن قبولها في حالات الثورات التحررية كالتي شهدتها الجزائر، ثم إنه يتبنى موقفا أكثر تشددا من خلال استبعاد أي احتمالات لتقديم فرنسا اعتذارها للشعب الجزائري عن الجرائم الاستعمارية. هذه التصريحات هي جزء من المفاوضات غير المعلنة بين الجزائروفرنسا حول مسألة الاعتذار، ولا يمكن أن تكون هذه التصريحات بعيدة عن الزيارة المرتقبة للرئيس «بوتفليقة» إلى باريس، والهدف هنا ليس التشويش على الزيارة بل محاولة إبعاد هذه القضية عن جدول الزيارة، وهذا يثبت أن فرنسا لم تعد في موقع المسيّر الوحيد للعلاقة بين البلدين، ولم يعد بوسعها فرض أولويات العلاقة بين البلدين. يمكن للمسؤولين الفرنسيين أن يقولوا ما يشاءون حول تاريخ الجزائر وحول تاريخهم الأسود في الجزائر، لكن وجب تذكير هؤلاء بأن فرنسا قبل سنوات قليلة لم تكن تتصور إدانة النظام الاستعماري أو الحديث عن جرائم في الجزائر أو حتى الاعتراف بحرب الجزائر، لكنها خطت خطوات كبيرة على هذا الطريق، وستعترف وستعتذر، وإن غدا لناظره لقريب.