من أسباب الوقوع في الفتنة استعداد القلب لقبولها وفي الحديث " تعرض الفتن على القلوب، وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء"، وكذلك قبول السعي فيها، ففي الصحيح "الماشي فيها خير من الساعي، من تشّرف لها تستشرفه"، أي من تطلع لها صرعته فيها، وأشد ما يؤجج الفتن الخوص بالألسنة، يقول الإمام «القرطبي» في تعليل أسباب كثير من الفتن إنها تبدأ بالكذب عند أئمة الجور ونقل الأخبار إليهم، فربما ينشأ من ذلك الغضب والقتل أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها، وتكبر الفتنة حينما يبني المرء موقفه على وهم وذلك مثلما حصل مع الصحابيْين الكريميْن «أبي بكر» و«عمر» رضي الله عنهما حينما أشار «أبو بكر» بتأمير رجل على وفد «بني تميم» وأشار «عمر» بتأمير غيره، فقال «أبو بكر» "إنما أردتَ خلافي"، وقال «عمر» يقول "ما أردتُ خلافك" وعلت أصواتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن راوي الحديث قال "كاد الخيّران أن يهلكا"، وأخطر ما يقود إلى الفتن تقديم الرأي على حكم الشرع، قال «سهل بن حنيف» "أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم". سبب في تدني درجة التقوى قد يفرّ المؤمن من الفتنة فتلاحقه، كما ورد عن «أبي الدرداء» رضي الله عنه "إن ناقدت ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك وإن هربت منهم أدركوك"، وقد يكون استلام إمارة لا يقدر العبد عليها سبب فتنة له ولمن معه، ولذلك جزع «عمرو بن العاص» رضي الله عنه جزعا شديدا لما حضرته الوفاة وتذكر حياته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال "فلو مت حينئذ قال الناس: هنيئا لعمرو، أسلم وكان على خير فمات فرُجيَ له الجنة، ثم تلبست بعد ذلك بالسلطان وأشياء، فلا أدري عليّ أم لي"، وعلى المسلم إن كان في موضع قدوة ألا يحمّل الناس ما لا يطيقون، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علم أن «معاذ بن جبل» رضي الله عنه يطيل الصلاة بالناس قال له ثلاثا "يا معاذ أفتّان أنت"، وفي خطبة ل«عمر» رضي الله عنه قوله "ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمّروهم فتفتنوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتُكفِروهم"، وإن الانشغال بالقول عن العمل كثيرا ما يفضي إلى كثير من الفتن والمشكلات، يقول شيخ الإسلام «ابن تيمية» رحمه الله "فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة حتى تقع بينهم الفتنة"، ومن آثار الفتنة أنها تُنسي الواقعين فيها حدود كانوا يلتزمونها كما أن الواقع في الفتنة تخف تقواه، ولذلك حين يُبعَد أناس عن الحوض كان يظنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمته يُجاب "لا تدري مشوا على القهقرى"، قال راوي الحديث "اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن"، وفي الحديث الذي يسأل فيه «حذيفة» عن الشر "يا رسول الله، الهدنة على الدّخن ما هي"؟"، قال "لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه"، يقول شارح الحديث "أي لا تكون قلوبهم صافية عن الحقد والبغض كما كانت صافية قبل ذلك"، وينقل «ابن حجر» حديثا في الفتن يقول "ثم فتنة تموج كموج البحر وهي التي يصبح الناس فيها كالبهائم"، وحين بيّن «ابن حجر» استحباب الاستعاذة من الفتن حتى في حق من علم أنه على حق، علّل ذلك بقوله "لأنها قد تفضي إلى وقوع ما لا يرى وقوعه"، ومن أخطر آثار الوقوع في الفتن انعدام التأثر بالموعظة، روى «أحمد» أن أخاًَ ل«أبي موسى» كان يتسرع في الفتنة، فجعل ينهاه ولا ينتهي فقال "إن كنتُ أرى أنه سيكفيك مني اليسير أو قال من الموعظة دون ما أرى"، بل ويستصغر الناس المعاصي، يقول «عبد الله بن عمر» "في الفتنة لا ترون القتل شيئا".