مواطن امتحان القلوب كثيرة، وهي تكون في مواضع الشدة ومواضع اللين والخير والشر، وربما كان مما يتبادر إلى ذهن المؤمن أن الابتلاء يكون بالشدة أو الشر فقط، ولكن الحقيقة أنه يكون باللين والخير أيضا، قال تعالى "وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة"، ومن المواطن التي يُمتحن فيها القلب: - العبادة: فالعبادة مثل الصلاة والصدقة والصيام والحج وغيرها موضع امتحان وابتلاء، ففيها ابتلاء في تحقيق الإخلاص لله وعدم مراعاة الناس بها، يقول الله تعالى "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورا"، وفي الحديث المرفوع "إياكم وشرك السرائر، قالوا: يا رسول الله، وما شرك السرائر؟ قال: يقوم الرجل فيصلي جاهرا لما يرى من نظر الرجل إليه، فذلك شرك السرائر"، وفي العبادة ابتلاء بتصحيحها وأدائها كما جاءت عن النبي الأمين، وابتلاء بتحقيق التقوى فيها، يقول تعالى "وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ"، وهذا جزء يسير من الابتلاء الذي يحدث في هذا الموطن. - العلم: وهذا موطن خصب لامتحان القلوب، وكم فشل أناس في هذا الامتحان، فطائفة طلبوا العلم لله ثم تحوّلت النية إلى الشهوة الخفية، حب الرئاسة، الشهرة، التصدّر، التعالي على الأقران، المراء والجدل، القدح في الخصوم، وفي الحديث "من تعلّم علما مما يُبْتَغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" يعني ريحها. - الدعوة: وهذا المجال من أشد مجالات امتحان القلوب، وأصحاب الدعوة المشتغلون بها من أشد الناس معاناة لهذا الامتحان، فشهوة توجيه الآخرين والشهرة والتعالي على الخلق كلها امتحانات قد تجعل الدعوة وبالا على صاحبها، وفتنة النكوص عن الدعوة أو توجيهها إلى غير رضى الله داء عضال. - الخلاف والجدل: وهو مرتع من مراتع الشيطان ومزرعة من مزارعه، ولذلك نبهنا الله جل وعلا إلى الأسلوب الأمثل في المجادلة فقال "وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، ولأنه قد يكون الباعث للجدال هو الانتصار للحق، ثم يتحوّل إلى انتصار للنفس، وهنا مكمن الدّاء، قال تعالى "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن"، وصدق «ابن مسعود» رضي الله عنه حيث قال "إن الخلاف شرّ كله". - الشهوات: كثير من الناس يقصر امتحان القلوب على الشهوات؛ المال، المركب، النساء، البنين، البنيان، وهذه لا شك أنها فتنة وابتلاء، قال تعالى "إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة"، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء". - الشبهات والفتن: وهما مجال رحب من مجالات مرض القلب وسبب لكثير من العلل. - الرياسة والمناصب: فكم تغيرت من نفوس وتباغضت من قلوب بسبب هذا الموطن الذي قلّ أن يسلم منه أحد، فالحسد والغيرة والحقد والغلّ أمراض مبعثها هذا الأمر في غالب الأحوال. - النسب والحسب والجاه: وهو أرض مثمرة لأمراض القلوب وأدوائه، فالتعالي والتفاخر والكبر وغيرها من أمراض القلوب تنطلق من هذه الأرض، ففيها تنبت ومنها تثمر.