مرحلة ما قبل العمليات العقلية (من 2 - 7 سنوات) تتميز هذه المرحلة بظهور الوظائف الرمزية واللغة كوسيلة لتمثيل المؤثرات البيئية، كما أن في مقدور الطفل إعادة تكوين أو تقليد بعض الأفعال التي جرت أمامه قبل ساعات، ويفكر الطفل في هذه المرحلة تفكيرا غير منطقي، فإذا أعطيناه مشكلة حسية فإنه يحاول حلها من خلال التجربة والخطأ، أي أنه يفكر فيما يراه ويحسه، وهذا يوقعه في الخطأ في المواقف المتصلة بالعدد والحجم والوزن بوجه خاص، لاعتماده على الحواس، وتقسم هذه المرحلة إلى طورين: - طور ما قبل المفاهيم، (من 2-4 سنوات)، وفي هذا الطور يستطيع الطفل القيام بعمليات التصنيف البسيطة حسب مظهر واحد كمظهر الحجم مثلا. - الطور الحدسي (من 4-7 سنوات)، وهنا يبدأ الطفل ببعض التصنيفات الأصعب حدسا، أي بدون قاعدة يعرفها، وفي هذا الطور يتشكل الوعي بثبات الخصائص. وعلى الرغم من أن الطفل في هذه المرحلة يحاول الإجابة عن سؤال "لماذا؟" بطريقة منطقية سليمة، وبما أن التفكير لدى الطفل يمر بمرحلة هي قبل مرحلة العمليات المنطقية فإنه يركز على جانب معين من الحدث، ويعزو إلى النتيجة بدلاً من التفسير على أساس العلاقة بينه وبين العوامل الأخرى، فهو لا ينظر من زاوية السبب ولا يمكنه فهم طبيعة المصادفة، فالطفل الذي يسقط أثناء سيره قد يلقي اللوم على الرصيف الذي يمشي عليه، إلا أن تفكير الطفل في هذه المرحلة محدود في قضيتين هما: أ- الانتباه، حيث لا يستطيع الطفل تركيز انتباهه لفترة طويلة، وتزداد مدة الانتباه تدريجياً مع ازدياد النضج والعمر. ب- الذاكرة، وهي عملية رئيسية في النمو المعرفي لدى الطفل، وتشتمل على إعادة تذكر المعلومات من خلال الزمن، إذ لا تكون لدى الطفل ذاكرة جيدة للأحداث التي يمر بها، ويتصف أيضاً بعدم القدرة على استرجاع الموقف إلى ما كان عليه والعودة إلى الشكل السابق. أما بالنسبة للنمو العقلي وإدراك الأشكال والألوان والأحجام والأوزان والمسافات والعلاقات المكانية وإدراك الزمن، فالطفل في هذه السن يستطيع أن يدرك أوجه الاختلاف بين الألوان المختلفة كالأحمر والأزرق والأصفر، ولكنه يلقى صعوبة في التمييز بين درجات اللون الواحد. أما بالنسبة لإدراك الأحجام والأوزان فيستطيع الطفل إدراك الأحجام الكبيرة ومن ثم الصغيرة وينتهي إلى إدراك الأحجام المتوسطة، ويمكن أن يميّز بين الأوزان المختلفة اختلافاً واضحا، ولكنه يعجز عن تمييز الفروق الدقيقة الصغيرة، وقد يستعين بفرق الحجم ليقدّر فرق الوزن. وبالنسبة لإدراك المسافات والعلاقات المكانية، فإن الطفل في هذه المرحلة لا يجيد تقدير المسافات، مما يعرّضه للأخطار، ولكنه يستطيع إدراك العلاقات المكانية من خلال خبراته الحسية العقلية، والطفل العادي يدرك مدى التناظر والتماثل والتشابه القائم بين الأشكال فيما بين الخامسة والسادسة من عمره، ويدرك الحروف المتباينة مثل الألف والميم، ويصعب عليه إدراك الحروف المتقاربة مثل الباء والياء، أما إدراك الزمن، فعلى الرغم من أن إدراك الطفل للزمن لا يكون دقيقاً في هذه الفترة من العمر، إلا أنه يستطيع أن يدركه كتسلسل في علاقته بالأنشطة، فهو يذكر ما قام به في يومه، ويراعي في ذلك تتابع حدوثه، ويتّسع عنده مدلول الزمن قليلا فيدرك الصباح والمساء، ويعتبر الخيال خاصية معرفية رئيسية في هذا العمر، واللعب الإيهامي هو أوضح مجال تتجلى فيه هذه الخاصية، ويذهب «بياجيه» إلى أن طفل هذه المرحلة قادر على تكوين الوحدات المعرفية التالية: الشكل التصوري العام، الصورة الذهنية، الرموز، والمفاهيم، وتشير نتائج بعض الدراسات إلى أن أطفال مرحلة ما قبل المدرسة يمتلكون قدرة كبيرة على تخزين الشكل التصوري العام، وأنهم قادرون على استخدام نوعين من استراتيجيات الذاكرة وهما: الاستدعاء والتعرف. إن هذه القدرة تتطور عند الطفل فيصبح قادرا على إدراك التفاصيل بشكل أكبر على شكل صور ذهنية أشبه ما تكون بصورة كاملة عن الشيء، أما الرموز فيتوقّع من الطفل أن يكون قادرا على صنعها في هذه المرحلة، فيستطيع استعمال الصيغ اللغوية من استفهام وتعجب ونداء وأمر ونهي، وهذا ما يعرف باسم "الكفاية اللغوية" عند الطفل، وفي نهاية هذه المرحلة يصبح قادراً على تكوين مفاهيم معينة، وهي مفاهيم ذاتية لأشياء عيانية، ولكن الطفل لا يستطيع إجراء العمليات المنطقية. إن الطفل قادر على أداء العمليات المعرفية التالية: الانتباه، الإدراك، التذكر، التفكير، حيث يعتبر الانتباه أول العمليات المعرفية التي يجريها الطفل تمهيدا للعمليات المعرفية الأكثر تعقيدا، فينتبه الطفل إلى الأشياء التي يهتم بها ويوزع انتباهه تارة إلى المثير وتارة إلى شيء آخر، وتبقى الحواس هي وسيلته لتلقي المثيرات البيئية، علماً بأن انتباهه ما زال محدوداً، فهو لا يلتفت إلى كل التفاصيل، فالانتباه لديه قاصر، وبالنسبة للإدراك فهو من العمليات المعرفية التي تهدف إلى التعرف على الشيء، وتشير بعض الدراسات إلى ضعف إدراك الشكل عند أطفال هذه المرحلة، أما التذكر، ثالث العمليات المعرفية، فإن طفل هذه المرحلة يستخدمه في مهارتي الاسترجاع والتعرف، في مجمل أنشطته اليومية، وتشير بعض الدراسات إلى أن مهارة الاسترجاع تكون محدودة وغير ثابتة الاستعمال، ويمكن القول إن أطفال هذه المرحلة يشرعون في استعمال مهارات التذكر بشكل بسيط، فالطفل قادر على التذكر البسيط دون إبراز مهارات متقدمة في التذكر، كما أنه كثير النسيان، أما التفكير الذي يمثل العملية المعرفية المركبة، فإنه يتضمن عمليات الاستدلال، التبصر، والاستبصار، ولا يتوقع من طفل هذه المرحلة أن يؤدي عملية منطقية أو أن يتعامل مع الأحداث باعتبارها مجردات، وإنما سيتعامل معها باعتبارها محسوسات، وعلى ذلك فإنه من الضروري أن تتوفر في هذه المرحلة العمرية حاجات النمو العقلي، وتتمثل في تهيئة الفرص الصفية والخبرات اللازمة لإشباع ميل الطفل وحبّه للاستطلاع عن طريق الرحلات الخارجية والأنشطة المختلفة، كما يجب أن تكون فترة النشاط غير طويلة، والسماح للطفل بالانتقال من نشاط إلى آخر دون أن يُجبَر على الاستمرار في نشاط بعينه، والعمل على تشويق الطفل بما يقوم به من أنشطة، والعمل على زيادة فترة انتباهه من خلال الأنشطة، كما يجب تهيئة الفرص للإجابة عن أسئلة الطفل واستفساراته وتفسير الظواهر التي يراها عن طريق إجابات تناسب إدراكه. خاصية التمركز حول الذات تغلب قضية التمركز حول الذات على لغة الطفل في هذا الطور، فهو لا يستطيع مواءمتها مع وجود الآخرين، ولا تختلف لغته حين يكون وحده عن لغته مع وجود غيره من الأطفال الكبار، ولا يبذل جهدا في نقل أفكاره لغيره، وتتناقص بالطبع نسبة الكلام المتمركز حول الذات مع زيادة التفاعل الاجتماعي للطفل، ومع بلوغ الطفل سن السابعة يكون واعياً بالمستمعين إليه، فيعدل من لغته حيث تصبح مفهومة منه. إضفاء الحياة على الجمادات من سمات تفكير طفل هذه المرحلة الإحيائية إضفاء الحياة على الجمادات من سمات تفكير طفل هذه المرحلة يعطي الطفل في هذه المرحلة الظواهر الطبيعية والأشياء المادية علامات الحياة، فيتصور أنها تتحكم في حركتها، وفي نهاية هذه المرحلة من (5-6 سنوات) يبدأ بمعرفة وتمييز الفروق بين الأشياء الحيّة والأشياء غير الحية، ولكن على الرغم من ذلك فإن الخطأ يكون وارداً عند الطفل، ويعتقد العلماء أن الإحيائية لدى الأطفال تدل على عدم اكتمال المعلومات والمعرفة والمفاهيم العامة عن العالم. ////////////////////////////////////////