الأيام الجزائرية عواصم ( وكالات): أجمعت الصحف الأمريكية والبريطانية الصادرة الجمعة على فشل الإستراتيجية الغربية الحالية في أفغانستان وظهرت بها دعوات صريحة وأخرى مبطنة لسحب القوات الغربية من هذا البلد الذي يتوق فيه ابن الثماني سنوات للموت في مواجهة المحتل الأجنبي. في الوقت الذي يدرس فيه الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» كل الخيارات المحتملة للتعامل مع الأزمة الأفغانية، نصحه الكاتب «أجين روبنسون» في مقال له بصحيفة «واشنطن بوست» بالتفكير مليا في وضع قواته المسلحة التي تقاتل منذ ثمان سنوات حربا لا تبدو لها نهاية في الأفق المنظور. وذكره بالتداعيات العاطفية والنفسية والاقتصادية التي خلفتها هذه الحروب على أفراد هذه القوات وعائلتهم، مشيرا إلى الارتفاع المذهل لحوادث الانتحار بين الجنود والازدياد المخيف للإضرابات النفسية في صفوف المحاربين القدامى. وقال إن التكلفة المالية والبشرية لأي تعزيزات جديدة للقوات الأمريكيةبأفغانستان ستكون باهظة. وختم روبنسون مقاله قائلا "طالما أن أهدافنا في أفغانستان بعيدة المنال للدرجة التي تبدو عليها الآن، فإن على الرئيس الأمريكي بدلا من إرسال مزيد من القوات إلى ذلك البلد أن يعيد ما هو موجود منها بأفغانستان إلى أمريكا". والموقف نفسه تقريبا عبر عنه رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار البريطاني «نيك كليغ» في مقال له بصحيفة «تايمز» البريطانية. فتحت عنوان "آخر فرصة لإنقاذ مهمتنا في أفغانستان" قال «كليغ» إن عدم إرساء أوباما الشروط الأساسية للنجاح بأفغانستان سيجعل إقناع الناخبين البريطانيين بأن الحرب الحالية مبررة أمر مستحيل. وأضاف أن كثيرا من البريطانيين يعتقدون اليوم أن سحب القوات هو الخيار الوحيد المتاح أمام قوات بلادهم. وأكد أن غياب إستراتيجية للنصر في أفغانستان سيجعله (كليغ) غير قادر على التوجه للبريطانيين ودعوتهم للاستمرار في دعمهم لاستمرار بلادهم في الحرب. إن المعضلة التي تواجهها القوات الغربية في أفغانستان لا تعود لقلة عددها هناك وإنما لغياب الإستراتيجية المناسبة لاستخدام القوات الموجودة للتعامل مع مسألتين أساسيتين، هما حماية المدنيين الأفغان من هجمات حركة طالبان وبناء مؤسسات الدولة الأفغانية حتى تكون قادرة على تولي حفظ أمنها واستقرارها بنفسها. بهذه الفقرة لخصت صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية في افتتاحيتها رأيها حول ما أسمتها الإستراتيجية الفاشلة للدول الغربية في أفغانستان، قائلة إن هدفها يجب أن يتمحور حول العمل على بسط الاستقرار في أفغانستان بغية سحب القوات الغربية من هذا البلد على المدى المتوسط. وعلقت الصحيفة على التحفظات التي تكشف أن السفير الأمريكي في كابل «كارل إيكنبري» أبداها إزاء إرسال مزيد من قوات بلاده قائلة إن السفراء يتوقع أن يكونوا دبلوماسيين، لكن ما عبر عنه «إيكنبري» من قلق عميق إزاء الحكومة الأفغانية وإزاء تعزيز القوات في هذا البلد خلا من أسلوب المجاملات. وحذر الكاتب بالصحيفة ذاتها روبرت كورنويل من أن عبء إرسال مزيد من القوات إلى حتفهم بأفغانستان بدأ يضع وطأته على أصحاب القرار في الولاياتالمتحدة. وعبر الكاتب عن أسفه لتلكؤ الرئيس الأمريكي باراك أوباما في اتخاذ قراره الحاسم بشأن أفغانستان، إذ كلما طال تفكير أوباما حول الوضع أصبحت المشكلة أكثر تعقيدا، على حد تعبيره. لكن تأخر أوباما في الإعلان عن قراره المرتقب يعود حسب ما يراه مراسل « ذي إندبندنت» في كابل «كيم سنغوبتا» إلى الحرب الداخلية بين مساعديه، إذ كشفت رسالة « إيكنبري» أن المحيطين بأوباما منقسمون على أنفسهم حول هذه الإستراتيجية. لكن هل يدرك أوباما مدى صعوبة المهمة التي تحاول قواته القيام بها في أفغانستان؟ هذا هو السؤال الذي طرحه مراسل «سي أن أن» الدولي السابق «وولتر رودجز» في مقال له بصحيفة كريستيان «ساينس منوتور». فتحت عنوان "استقرار أفغانستان: الحلم الخطير" تساءل « رودجز» "هل يعي الأمريكيون أن قواتهم إنما تقاتل لبسط الاستقرار في أرض جبلية متوحشة بمساحة ولاية تكساس؟ وهل يعلمون أنها أرض نادرا ما يوجد فيها ذكر يتجاوز عمره ثمان سنوات إلا وهو مستعد للموت في مواجهة المستعمر الأجنبي؟ وأضاف الكاتب أن تعزيز القوات الأمريكية مهما كان حجمه لن يضمن الانتصار إذ حتى لو كان هو السبيل للانتصار فكم عقدا من الزمن ستحتاجه القوات الأمريكية لتحقيق النصر في أفغانستان! ولأنه غطى الحرب السوفياتية الأفغانية في ثمانينيات القرن الماضي، فإن «رودجز» أكد أن الاستنتاج الذي أقنع السوفياتيين بالانسحاب هو أن الشيء الذي يتقنه الأفغان جيدا هو القتال حتى الموت. وحذر الكاتب من أن مراهنة الأمريكيين على توفير المال لكسب ود السكان قد لا تساعدهم، لأن كل شيء في أفغانستان يمكن التفاوض بشأن سعره إلا ولاء المتشددين لبعضهم بعضا. وسخر «رودجز» من مبرر المسؤولين الأمريكيين لإقناع الشعب بمواصلة الحرب قائلا إن تنظيم القاعدة لديه أعداد كبيرة من المتعاطفين معه المستميتين من أجله في كراتشي بباكستان ومارسيليا بفرنسا وباليمن وبريطانيا وربما حتى ضواحي «دترويت» بأمريكا. وأضاف «رودجز» أن على الجنرالات الأمريكيين الداعين لإرسال مزيد القوات إلى أفغانستان أن يعترفوا بالحقائق التالية: أن أفغانستان تختلف عن أي تحد قد واجهته واشنطن من قبل، وثانيا أن ما يجري هناك هو في جل تجلياته حرب أهلية، وأن المقاومة المحلية، في حالة زيادة القوات، يتوقع أن تتصاعد لا أن تتراجع. وعليه فإن أفضل خدمة يقدمها الأمريكيون للأفغان هي الانسحاب من أرضهم، ولهم في ذلك سوابق في فيتنام ولبنان والصومال.